16 سبتمبر 2025

تسجيل

تلفتوا .. وتأملوا

29 سبتمبر 2014

تُرى لماذا يتركون خلفهم الدنيا بما حازت ليكونوا هناك في تعب، ونصب، لماذا يستعذبون ترك الترف، وحياة الدعة إلى حيث أيام قد لا يذوقون فيها طعم الراحة؟ لا يَعْرف جواب الأسئلة إلا من جرب ما هم فيه، ومر بما مروا به فعرف سعادة لا يعرفها إلا من ذاقها، بياض في القلب والملبس، وجهتهم جميعاً الله جل في علاه يغذون إليه السير حاملين أوزاراً، أو ذنوباً، أو تهاوناً، أو تسويفاً حتى مر العمر، لكن في قلوبهم شوق إلى الحبيب الذي لا يعاتب من جاءه، ولا يسأل عما فات، يغذون إليه السير وقد كان لهم في الدنيا أخلاء وعرفوا أن حبيب الدنيا يمكن أن يخون، ويبيع، وتغيره الأهواء، والظروف، والأحوال، وعرفوا أن أحبة الدنيا قد تربطهم مصالح، ومنافع فيزيد الحب كلما زاد ما يأخذونه، ويقل كلما نقص ما يصل إليهم، ويسمونه حباً!عرف المسافرون إلى الحبيب أن العمر قصير قصير، اقصر من حلم، وأن العمر الحقيقي إلى حيث سنرحل طويل طويل بل أطول مما نتصور ولما عرفوا فاضلوا بين زائل وباق، ما بين ود مخلص ومتلون، وبين حبيب حبيب ودنيا مليئة بمدعي المحبة، وفاضهم خال حتى من حب أنفسهم، فاضلوا فسافروا إلى حبيب وده دائم، وحبه موصول، أبداً لا يتغير، ولا يتبدل، يعطي ولا يأخذ، من جميل عطائه قدرته أن ينقلنا في لحظة صدق منا من ذل المعصية إلى عز الطاعة، وفوقها عطايا كثيرة لمن ملأ قلوبهم حبه فيمموا القلوب قبل الوجوه إليه، يا سعد من سافروا إلى حبيب يسامح، ويغفر، ويصفح ويأخذ بالأيدي من الوهدات والوقعات، وطين الأرض ويقول تعال، هنيئاً لكل المسافرين إلى ربهم حبيبهم، حاجين لكعبته يملأ قلوبهم أمل وجل في عفو الحبيب الذي علمنا أنه لدعاء التائبين الأوابين مجيب. طبقات فوق الهمس* حدائق، ومشاتل، وأزهار، وبساتين، وعطر لا يضيع، كل ذلك ما سطره (ابن القيم) ليعيش أزمنة، وقد سرني في جلسة تأمل بعيدة عن ضوضاء الخلق وكدرهم ما قرأت واقتطفت من تلك الحدائق البديعة.يقول (ابن القيم):* إن دور الجنة تبنى بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء.* المخلوق إذا خفته استوحشت منه وهربت منه، والرب إذا خفته آنست به، وقربت إليه. (آه كم ننسى)!* لماذا الظلمات جمع والنور مفرد؟ لأن طريق الحق واحد وطريق الباطل متعددة.* ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد ولا يمل من خدمته مع حاجته إليه، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوك بصنوف إنعامه وإحسانه مع غناه عنه.* من كمال فطنة العبد ومعرفته أن يعلم أنه إذا مسه الله بسوء لم يدفعه غيره، وإذا ناله بنعمة لم يرزقه إياها سواه.* وقد تستهوينا مجالسة المستهترين، أو محبي (العجر) أو لاعبي الورق، أو مدمني المخدرات والشيشة أو المغيبين بعالمهم المبهرج، وربما قلنا (معاهم بنتسلى) لكن ابن القيم يقول: مجالسة الصالحين تحولك من ستة إلى ستة، من الشك إلى اليقين، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء النية إلى النصيحة.* قال بعض أحبار إسرائيل يارب كم أعصيك ولا تعاقبني، فقيل له كم أعاقبك وأنت لا تدري أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟* انتهى كلام (ابن القيم) البديع لأقف الآن ونحن في العشر من ذي الحجة مع كل من حُرم المناجاة، كان يصلي فترك الصلاة، كان يقوم الليل ثم تكاسل، كان يحفظ القرآن ثم مل ليدور مع عجلة الدنيا الفارغة، مهم أن نعي أننا نعاقب بترك أجمل ما كان فينا، إن كنا لا نعلم فتلك مصيبة، وإن كنا نعلم فالمصيبة أعظم!! جزاؤه كجزاء سنمار* قد تكون من الذين لا يهنأ لهم بال، ولا يستشعرون الراحة إلا بفك كرب المكروبين، أو بقضاء حاجة محزون، أو مكروب، أو مظلوم، أو مأزوم، قد تكون من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان لهم ألف حاجة، المهم ألا ترى دمعة إنسان توجعه، كان يجتهد بأي عمل يدفع عنه وحشة القبر وكروبه فيتحمل مشاق كثيرة قد تكون أحياناً فوق طاقته، أنا أعرف واحداً من هؤلاء كان حبه متطرفاً لا يستريح ولا يهدأ إلا وقد احتضن قلبه هم أحد المهمومين حالما بتفريج كربته بصفاء النية وعون الخالق حتى صدم بمن يخذله بعد جميل صنيعه الذي وفقه الله فيه وما كان يبغي شكراً ولا ثناءً، قال له المحيطون به (جزاؤك كجزاء سنمار) ولأني سمعت المثل كثيراً دفعني الفضول لمعرفة حكاية (سنمار) فوجدت أنه مهندس آرامي من سكان العراق، وينسب له بناء قصر (الخورنق) الشهير وكان إبداعاً أسطورياً، وعندما انتهى من تشييد القصر قال للملك النعمان ملك العرب وصاحب القصر إن في القصر (آجره) يعني (طوبة) لو زالت من مكانها لسقط القصر كله، سأله النعمان هل يعرف مكان تلك (الآجره) غيرك؟ فلما كان جواب سنمار ألا أحد يعرفها غيري أمر النعمان رجاله بإلقاء سنمار من فوق القصر فقال وهو يلفظ أنفاسه (جزاني لا جزاه الله خيراً إن النعمان شراً جزاني رصصت بنيانه عشرين حجه فلما أتممته منه رماني، وصار سنمار مثلا يضرب لمن يقدم خيراً، أو يبذل وفاءً فيدق عنقه! تلفتوا يا سادة فقد يكون بينكم (سنمار) أحب، واخلص، ووفى، ومن العار أن يغتال، تلفتوا. آخر الكلام حتى الصداقة تحسد احترسوا.