12 سبتمبر 2025

تسجيل

هل بعد هذا النقص من تمام ؟!

29 سبتمبر 2011

 الخطوة التي قام بها السيد عباس في الأمم المتحدة وما قد يتمخض عنها وما يجب أن يقع من استثمارها والمراهنة عليها .. كل ذلك لا يزال يتفاعل وتتوالد عنه أفكار وملاحظات وتوقعات.. وهذا يدل على أهمية هذه الخطوة وإن كانت في ذاتها صغيرة .. وهي بالفعل كذلك مهما حاول البعض التقليل من شأنها لأي سبب خصوصا إذا تركنا وراءنا المناكفات السياسية التي تأتي على أساس الانطباعات العامة والمواقف الإجمالية وليس على أساس النقد الموضوعي.. والحقيقة – من وجهة نظري – أنها خطوة هامة إذا نظرنا لها في ضوء ماهية السلطة وإمكاناتها والهوامش والمنحشرات والخيارات التي تعمل في إطارها وإذا نظرنا لنوعية العدو وطبيعته وقدرته على التأثير على المواقف الدولية وحتى – للأسف العربية والمحلية – لكن هذه الخطوة قد لا تبدو بنفس الأهمية بالنسبة للمعارضة التي لها تشككاتها وتخوفاتها وملاحظاتها المبررة والمنطقية والتي تضع الخطوة على ميزان غايات التحرير وأهداف الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وتنظرها من منظور إمكانات الشعب الفلسطيني كشعب بفصائله وعلاقاته وقضيته وأبعادها .. فتراها صغيرة .. هذا التداخل بين الصواب والخطأ وبين النقص والتمام وما يراه البعض من زاوية يغفلها بعض آخر.. كل ذلك أشكل على كثيرين عند النظر في المواقف وتقييمها؛ فوقع المحذور والاجتزاء كما هي العادة .. فالموالون اعتبروا ما قام به الرجل قمة النصر وصوروا كأن الدولة وراء الباب، ولسان حالهم ( إن عباس وإن كان الأخير زمانه لآت بما لم يخترعه الأوائل) وفي سبيل ذلك أغمضوا عن كل انتقادات المعارضة – المحق منها والمتجني – وتجاوزوا عما اعترى هذه الخطوة من أخطاء ( الانفرادة بها عن الشعب وعن الفصائل وعدم تضمين الصيغة المقدمة حق العودة والقرارات السابقة التي اعترفت بحقوقه) هذا الفريق تغاضوا أيضا عن تصريحاته بأن ذهابه للأمم المتحدة لن يغلق طريق التسوية ولن يؤول إلا إلى المفاوضات التي ستظل الخيار الأول والثاني والمائة .. المعارضون من جهتهم وقعوا في نفس المحذور والاجتزاء ( وبالذات بعض المتحدثين ) الذين ضخموا النقائص وبالغوا في اعتبار الخطاب مأساة على التاريخ الفلسطيني وتجاهلوا في سبيل ذلك ما في الخطوة من معاني الصمود في وجه الضغوط ، والخروج من احتكار وتسقيف وتسوير أمريكا والعدو لعملية التسوية ، واستصغروا وتجاهلوا أيضا أثر هذا الاعتراف - لو حدث - على مكانة الشعب الفلسطيني وحقوقه أمام المؤسسات الدولية .. وأغلب الظن أن معظم هؤلاء لم يكلفوا خاطرهم عناء البحث بشكل منهجي وعلمي في الأبعاد القانونية والسياسية للأمر. لقد حزنت كثيرا وأنا أرى خطوة – يعد اتجاهها في العموم إيجابيا - توصل الفريقين إلى هذا الحد من التراشق والمساجلات.. وأحسست أننا – جميعا - بحاجة لإعادة تركين البوصلة وإعادة ترتيب الأولويات ولأن نقدر المرحلة .. وأحسست بضرورة أن ينضبط المتحدثون بالمواقف المعلنة لمن يتحدثون باسمهم بعيدا عن الانسياق مع الاستفزازات والمزاجيات والآراء الفردية التي للأسف تقتل كل جميل وتزيد شقة الخلاف وتبدو كأنها تتقاطع مع أغلاط إستراتيجية بالتأكيد ليست مرادة .. وإذا كنا نتناول المتحدثين الرسميين فلنعترف أن بعضهم! (ولا أقول كلهم) لا يملكون القدرة والموهبة على التفريق بين تسجيل موقف وشن حملة، وأن يعلموا أن ما يرفض دائما قد يسكت عنه أحيانا، وأن قاعدة " الضرورات التي تبيح المحظورات " قاعدة عامة ومن حق المخالف في الرأي أن يستفيد منها كالموافق وليست قصرا ولا حصرا على فئة وفصيل دون غيره .. وأن يتنبهوا إلى أن المقايسة لا تكون دائما بين الحسن والقبيح أو على ما يجوز وما لا يجوز - وهو القياس الأسهل – ولكنها قد تكون على أحسن الحسنيين ، أو أسوأ السيئين ( وبالذات في أمور السياسة ) .. وأن يستوعبوا أن السياسة لا تتحرك دائما تحت الشعارات المغلقة والثوابت التي لا تتزحزح ، وأن الرجال مهما أوتوا من الإخلاص والتوفيق ومهما مثلوا من معاني الوطنية قد يعتريهم الخطأ والنسيان وقد يقعون تحت الضغوط والإكراه والمصالح الشخصية والفئوية وحزازات الأقران. أقول : فإذا حكّمنا هذه القواعد واستشعرنا حجم مشكلتنا مع العدو ورأينا تخاذل العالم عن نصرتنا وكان لدينا حملة لا بد أن نشنها أو تهجم لا بد أن نصرفه ؛ فبالتأكيد ستكون حملتنا على أمريكا التي لا نختلف على عداوتها ونفاقها وانحيازها ضدنا ، وستكون على حليفتها وربيبتها الوقحة الإرهابية التي تنتقص أرضنا وذاتنا وكرامتنا ليل نهار، وستكون على مجلس الأمن ونظامه البائس المكرس لمخرجات الحرب العالمية الثانية .. ولن تكون حملتنا من المعارضة على الموالاة، ولا من الموالاة على المعارضة في هذا الظرف بالذات وتحت هذا العنوان بالخصوص .. وعند ذلك لن نجد من أنصار عباس من يتهم خصومه ومنتقديه بالعمالة والتقاطع مع الاحتلال.. ولن نجد ممن يعارضه من يرفض كل ما يقوم به ويسوي بين خيره وشره .. ذلك سيفسح لكل فريق أن يرى ما يتفق فيه مع الآخر عليه ، وسيعطي للجميع مساحة من الموضوعية تجعله يقترب من المصالحة الحقيقية التي تعطلت حتى الآن ومنذ الانقسام كثيرا ، وسيمهد لتكوين الإستراتيجية الشاملة المطلوبة لتوليد عمل كبير بعد هذه خطوة وهو ما يفترض أن يكون وأن يتجسد عاجلا غير آجل .. آخر القول: كان يكفي من الموالين لعباس ومن المعارضين له أن يسجل كل منهم موقفه ضد ما يقوم به الآخر، وأن يتجهوا فورا للبحث عن المشتركات .. أما الانتقاد لذات الانتقاد ورؤية كل شيء قبيحا مذموما ، والمدح لذات المدح ورؤية كل شيء كاملا ومقدسا فما ذلك إلا الوصفة الناجزة لمزيد من الفرقة والانقسام وفقدان الثقة.. فهل بعد هذا النقص من تمام ؟!