16 سبتمبر 2025

تسجيل

هكذا يتم اختيار المستشارين 

29 أغسطس 2019

اختيار المستشارين أو الخبراء والمعاونين، مسألة غاية في الأهمية لمن أراد أن يدير مؤسسته أو شركته او وزارته أو دولته بكل أمانة ودقة، سواء كان يرجو بذلك وجه الله ورضاه، أو يرجو تحقيق مصالح ومكاسب دنيوية ترفع من شأنه واسمه، ولن نختلف هاهنا حول المقاصد النهائية، بحثاً عن دنيا عاجلة أو رجاء آخرة باقية، لأن الحديث يدور حول آلية اختيار المساعدين والمستشارين ومن يستعين بهم الرئيس أو الزعيم أو القائد لإدارة شؤون الدولة أو الوزارة أو الشركة أو ما شابه من كيانات إدارية، صغرت أم كبرت. النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم – بخبرته في الحياة والتعاملات مع البشر، ومعرفة شخصياتهم وأنماط تفكيرهم وسلوكياتهم ومهاراتهم، كان دقيقاً في اختيار مستشاريه أو أمراء السرايا وقادة المعارك وغيرها من المهام الحياتية المتنوعة آنذاك. في قصة رفع الأذان المعروفة، جاءه أحد الأنصار ورغب أن يكون له شرف القيام بمهمة رفع الأذان، لكنه – صلى الله عليه وسلم – لم يوافق له على رغبته، لعلمه أن بلالاً أندى صوتاً من الأنصاري، فاختار بلال بن رباح ليكون مؤذن المدينة.  كانت له – صلى الله عليه وسلم - رؤيته الثاقبة ونظرته إلى الرجال، وكأنه يعلمنا أنه ليس دوماً وليس شرطاً أن تكون بعض المعايير التي نتفق عليها بشأن اختيار القادة والمسؤولين صحيحة، فلكل مهمة قائد أو شخص معين، وفي الوقت ذاته ليس بالضرورة أن ينفع هذا الشخص في مهام أخرى، أو إن نجح فلان في مهمة، فليس شرطاً أن ينجح في مهمة أخرى، وهكذا. في معركة ذات السلاسل، اختار الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن العاص رضي الله عنه، أميراً على سرية مهمتها تأديب قبيلة من القبائل العربية التي شاركت في موقعة الأحزاب ضد المسلمين. وكان في السرية عدد من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما من السابقين إلى الإسلام. تولى عمرو قيادة السرية ولم تمض أشهر خمسة على إسلامه، ورغم ذلك أعطاه النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - القيادة في وجود كبار الصحابة والسابقين إلى الإسلام.. لكن المغزى من هذا القرار أنه - صلى الله عليه وسلم - كما أسلفنا، أراد أن يعطي دروساً عملية لأصحابه في كيفية اختيار القادة والمسؤولين مستقبلاً. فقد كان يرى غير ما يراه الآخرون. رأى في عمرو يومها ما لم يره في غيره، من الحس العسكري والدهاء السياسي والقدرة على تنفيذ التعليمات، وبالتالي ضمان تحقيق الأهداف بدقة بالغة. خرجت السرية في طقس بارد، حيث أمر عمرو أفراد السرية ألا يشعلوا النار بالليل رغم البرد القارص، مهما تكن الظروف ! ورغم اعتراض كثيرين على ذلك، لكنهم في النهاية التزموا بتعليمات القائد. ثم وقعت معركة بينهم وبين القبيلة التي كانوا يقصدون تأديبها، وانتصر عمرو وطارد الكفار لفترة قصيرة، لكنه لم يستمر في مطاردتهم وتوقف بعد حين قصير، فاعترض الصحابة على ذلك وتعجبوا من قراره مرة أخرى. حين رجع بالسرية إلى المدينة شكى بعض الصحابة عمرو عند النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بسبب قراراته، وتوقعوا تأييداً نبوياً لهم، لكن العكس قد حصل. فقد تفهّم النبي - صلى الله عليه وسلم - قرارات عمرو وعرف دقتها ومغزاها، واعتبرها بُعد نظر ودهاء عسكرياً منه كما كان المتوقع. فقد كان عمرو - رضي الله عنه - يهدف إلى تحقيق المطلوب دون أي خسارة في الأرواح كما كانت التعليمات تقضي بذلك، وقد حصل ذلك فعلاً ورجع بالسرية كاملة دون أي خسارة في الأرواح وانتهت على ذلك مهمته، بانتظار مهام أخرى قد تُسند إليه مستقبلاً أو ربما سيكون جندياً في السرايا والجيوش دون مهام، إلى أن يشاء الله أمراً كان مفعولا.. وهكذا كانت الدروس العملية في المدرسة المحمدية. من ذلك نستخلص أهمية وضرورة التأنّي لدى أي مسؤول حين اختيار معاونيه أو مستشاريه أو وزرائه، إن أراد النجاح في مهمته. الأمر لا يجب أن يكون نوعاً من المكافأة أو شراءً للذمم أو أهداف أخرى، بل لابد أن يكون اختيار المستشارين أو المعاونين أو ما شابههم في المهام، بعيداً عن نظام المحسوبيات والمجاملات، سواء لمن يتم اختيارهم أو لمن قام بتزكيتهم وترشيحهم. الأمر أكبر وأخطر من ذلك بكثير. اختيار المستشار بكل اختصار، يجب أن يكون وفق معايير محددة تشمل الكفاءة والخبرات المتراكمة اللازمة في المجال الذي يتم اختياره له، بالإضافة إلى ضرورة تمكنه من كثير من المهارات الشخصية، كالتفكير الناقد وتحليل المشكلات والقدرة والابداع في ابتكار وتقديم الحلول بتجرد وموضوعية، دون نزوع إلى ترضية هذا وذاك على حساب المصلحة العامة أو الكبرى.  المسألة أمانة في نهاية الأمر. والأمانة هي كل ما تم الإئتمان عليه من قول أو عمل أو مال أو علم. وأي اتباع للهوى والمزاج في تقديم الاستشارة للمسؤول، إنما هو أقرب إلى خيانة الأمانة. فقد يسير موكب الكيان الإداري ، سواء كان على شكل شركة أو مؤسسة أو وزارة أو دولة، بيسر وأمن وأمان ونجاح واستقرار أو يحدث العكس، حيث التخبط وعدم الاستقرار، ومن خسارة إلى أخرى وصولاً إلى انتكاسة أو أعمق من ذلك وأعقد.. والأمثلة من هنا وهناك أكثر من أن نحصيها، كان للمستشارين أو الخبراء أو المعاونين دورهم في النجاحات أو الانتكاسات..  تقع النجاحات حين يقوم المستشارون أو الخبراء والمعاونون بأدوارهم بكل أمانة وجدارة واقتدار، فيما الانتكاسات تزلزل الكيانات إن تخلى أولئك عن أماناتهم وعهدهم، متبعين أمزجتهم وأهوائهم، بل ربما أهواء غيرهم أيضاً على حساب المنفعة العامة.. وعلى رغم علمنا جميعاً أن الله يحب أن تؤدى الأمانات إلى أهلها كاملة غير منقوصة، إلا أن الواعين لمثل هذه القبسات القرآنية قليل قليل.. ( انتهــــــــــــــــــــى ) • اختيار المستشار يجب أن يكون وفق معايير تشمل الكفاءة والخبرات المتراكمة اللازمة في المجال الذي يتم اختياره له، ومهارات شخصية، كالتفكير الناقد وتحليل المشكلات والقدرة في ابتكار وتقديم الحلول بتجرد وموضوعية. • ضرورة تأنّي أي مسؤول حين يختار معاونيه أو مستشاريه أو وزرائه، إن أراد النجاح، بعيداً عن نظام المحسوبيات والمجاملات، سواء لمن يتم اختيارهم أو لمن قام بتزكيتهم وترشيحهم. [email protected]