14 سبتمبر 2025
تسجيلقال مسؤولون في السلطة الفلسطينية ، إن الرئيس محمود عباس يعتزم الإعلان عن إجراء انتخابات عامة ، وحث حركة " حماس " على المشاركة فيها ، أو إعلان قطاع غزة إقليما متمردا في حال رفضت ذلك .. وأضاف المسؤولون في تصريحات للقناة الثانية العبرية نقلتها صحيفة القدس المحلية مساء الجمعة : " أن عباس سيتخذ خطوات أكثر دراماتيكية قريبا ، وإنه ماض في الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة ، وأن هذه الخطوة تأتي لتحدي حماس في غزة ، وفي حال رفضها سيعلن عن إجراء الانتخابات في الضفة الغربية وحدها واعتبار قطاع غزة إقليما متمردا. ورغم أن " أمين مقبول " القيادي الفتحوي نفى أن تكون اللجنة المركزية أو المجلس الثوري في منظمته ناقشا ذلك ، إلا أن الاتجاه العام وسابق الخبرة بفتح يؤكد أنهم يفكرون في ذلك ، فقد سبق أن ناقشت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير هذه الفكرة بنفس الذريعة ، ووصل الأمر إلى إبلاغ الرئيس المصري – المخلوع الساقط - وعدد من القيادات العربية منهم عمرو موسى بموقفها هذا .. ويومها أعلن عن خطط سيترتب عليها مطاردة حماس قانونيا محليا ودوليا ، ووقف الرواتب عن غزة ، ووقف كل التنسيقات المتعلقة بالغذاء والوقود.. إلخ. وأقول: سواء فكرت فتح أو لم تفكر في هذا الأمر ، وسواء كان ذلك رسميا أم غير رسمي ، فلا بد من تقرير حقيقة أن غير مرتبط بالانتخابات بقدر ما أن الانتخابات – الذريعة – ليست مقصودة لذاتها ولا هي نتاج رغبة حقيقية في ممارسة الديمقراطية.. ولكنها نوع من جس النبض لقياس ردة فعل الفصائل وحماس وهوامش الرد الممكنة (كما قال حسن خريشة نائب رئيس التشريعي الفلسطيني) في ظل ما يعتقدونه من أن حماس محشورة وأنه يمكن ابتزازها. الظن الغالب حتى الآن أنهم لن يفعلوها ، وأن تسريب خبر بهذا المضمون إنما يراد منه الضغط على حماس وإقناعها بضرورة الحوار على أساس رؤيتهم ، وذلك أمر مفهوم في العمل السياسي ، وإن كان غير مناسب في الحالة الفلسطينية بالنظر لما وصل إليه الفصام بين شقي الوطن وللحاجة لإصلاح ذات البين أكثر من الحاجة للمناورات والتذاكيات.. فإن فعلوا واختاروا أن يكونوا خارج المنطق وتجاوزوا كل المعايير الوطنية والعقلية وغامروا بكل شيء ولغير شيء!! فلن نفاجأ به فالقوم في الأغلب الأعم لا يتصرفون من وحي قناعاتهم ومصالح شعبهم ولكن من واقع ضغوط المشكلات الداخلية واستحقاقات الاتفاقات الموقعة مع العدو.. يزيد هذا الاحتمال بوجود أشخاص بأعيانهم في هذه السلطة لهم فكر وأهواء وارتباطات (ويتمتعون برعونة استثنائية) تجعلهم قد يغامرون بكل شيء ، ولا يجوز أن ننسى هنا أنهم فعلوا قريبا من ذلك يوم ادعوا أن في غزة خلايا (إرهابية) ما فهم يومها أنهم يحاولون توفير غطاء أخلاقي وسياسي لأي محاولة اجتياح صهيوني ، وتهييج وتحريض أمريكا والغرب على حماس وغزة.. وفعلوها أيضا يوم قدموا مشروع قرار لمجلس الأمن بهذا المضمون والذي لم يتراجعوا عنه إلا تحت الضغوط (وبعض الحسابات) ، وفعلوها يوم طلبوا من باراك – وزير حرب العدو – صراحة اجتياح غزة وقدموا له رؤية متكاملة بهذا الخصوص ولم يهدؤوا حتى أخذوا وعدا منه بذلك ، وفعلوها يوم قطعوا رواتب من ليس معهم ويوم عبثوا بلقمة الخبز وجرعة الدواء .. وفعلوها حتى أيام الخير بينهم وبين حماس بعد اتفاق مكة عندما راسلوا الحكومات الغربية بعدم التواصل مع وزراء حماس .. فالقوم لم يهدؤوا لحظة عن الكيد لحماس وما من مرة سئلوا الفتنة إلا (آتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا). على منظمة فتح قبل أن تقبل (بالاندزاز) لهذا القرار أن تعلم أنها بذلك تضع نفسها في مواجهة كل الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة - وليس في غزة وحدها ، وأن تعلم أن القضية الفلسطينية والتضامن مع حماس لم يعد مسألة داخلية تحسمها المعادلات الداخلية أو الاستقواء بالخارج ولكنه صار عربيا وإقليميا وإنسانيا بل (وفتحاويا) ، وأن تعلم أن الانقلاب في مصر الذي تعول على دعمه هو من الضعف وعدم الشرعية بحيث يصير موقف كهذا مزيدا من التهرؤ له والتسريع في فنائه ، وأن تعلم أن ذلك سيسرع في تشقيق ما تبقى من أطلالها .. وبالأخص إذا صار الفرز على قاعدة من مع الوطن ومن ضده ومن يقتل غزة ومن يحييها ! وأخيرا وليس آخرا أن تعلم أن حماس لن تهرول طالبة الرحمة منها ، وأنه سيكون لديها من الوقت وهوامش الفعل الكثير مما لم تفعله حتى الآن ، فقد أثبتت أنها الأشد في سباق التحمل ، والأصبر في لعبة عض الأصابع ، فإن غرهم صبرها في الضفة فالظن أن ذلك ما كان إلا في إطار ما يمكن الصبر عليه ولأنه لا يزال يجري الحديث عن مصالحة (ولعلهم يتقون)! ليتذكر الإخوة في فتح أن حماس وغزة تعرضت للكثير من قبل فلم تركع ولم تخضع ولم تلن أو تستكن ؛ فالعدو أعلن ذات مرة غزة كيانا معاديا ، وقصفها بالصواريخ والطائرات والمدفعية ، وحرض العالم كله عليها ، وحاصرها وجوعها ثم حاول اجتياحها بنفسه لا بالوكالة ! وكثير من الدول صنفت حماس كمنظمة إرهابية.. فأين وصل كل ذلك؟ ألم يعودوا يبحثون عن تهدئة مع حماس ويوسطون الوساطات؟ ولماذا نبتعد كثيرا ؛ ألم ترفض فتح ذاتها كل دعاوى المصالحة والحوار التي طرحتها حماس منذ الحسم.. ثم ماذا؟ ألم تتنازل عن كل شروطها وتعود تدعو للحوار وتوسط مصر مرة واليمن أخرى والسودان ثالثة؟ والدول العربية التي قطعت علاقاتها مع حماس وافترت عليها ودربت الانقلابيين ضدها، ووعدتهم (لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون) ثم ماذا ؟ أقول : إن الأهم والأولى والذي يجب على فتح والسلطة والرئيس عباس أن يتذكره ويعملوا له بدل هذه الفرقعات والإيحاءات والجعجعات ، وقبل فوات الأوان هو أن يعودوا للتفكير المنطقي التصالحي الذي يحفظ لهم - قبل حماس - ماء الوجه ، ولا يبدد حصائل تضحيات هذا الشعب العظيم الذي يستحق الكثير.. صحيح أن الخلاف بين فتح وحماس يشمل كل الملفات (المفاوضات والمقاومة والثوابت والخلافات والتدخلات والإصلاحات والمنظمة وموازين العمل وعلاقة الداخل بالخارج .. إلى غير ذلك) ولكن ذلك يعني العمل على فكفكة هذه المشكلات وليس تعميقها أو إضافة إشكالات عليها ، ويعني أن يذهبوا إلى اتفاقات المصالحة بكل وثائقها ، وألا يغرقوا في لحظة الانقلاب وأوهام الفرصة. معلوم أن في القيادة الفلسطينية من يحلف بكل مقدس لديه على أنه لن يفهم المتغيرات ، وأنه سيقع في نفس الحفرة ألف مرة ، ومن لا يزال يفكر ويتعامل مع شعبه بما أدى لكوارث فيما مضى ، وقد يؤدي إلى المزيد منها ومن الانشقاق في الحالة السياسية والفكرية والجغرافية والديموغرافية.. ويبدو أن الله تعالى يستدرج هؤلاء القوم من حيث لا يعلمون ويملي لهم بكيده المتين ، ليفضح آخر مؤامراتهم ولكي يأتوا لحوار فلسطيني ذات يوم وليس في يدهم ما يناورون به .. آخر القول: إن على كل ذي ضمير حي في فتح قبل غيرها أن يتداركوا وقفة محاسبة ولحظة عودة.. فالرجوع لا يزال ممكنا.. ذلك قبله وبعده عمل كثير ، ولكن العودة للحق والمعاجلة إليه خير من التمادي في الباطل.