16 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تلقيت بكل لوعة وأسى نبأ وفاة أستاذي الجليل، ومعلم الأجيال سليمان محمد الستاوي (أبو براء) ومن حق الأجيال أن تعرف شيئاً عمن ساهموا في مسيرة البلاد التعليمية والتربوية وتركوا بصمات واضحة في ميدان التعليم، ونجد لزاماً علينا أن نذكر بكل التقدير أولئك النخبة وما أدوه وقاموا به عرفاناً بدورهم وهذا ما دأبت عليه قيادتنا الحكيمة وشعبنا الكريم، سليمان الستاوي الذي رحل عنا بعد حياة حافلة أمضى جل عمره الذي امتد قرابة 86 عاماً في قطر واستحق بمكرمة التجنيس أن يكون مواطناً قطرياً تقديراً من قيادتنا المباركة بدور هذا الرجل في تربية الأجيال. وكل من درس على يد هذا الأستاذ يعي تماماً أنه أستاذ الفلسفة المتميز الذي حبب الطلبة إلى هذه المادة التي كان الكثير من الطلاب يدركون صعوبتها ويتوجسون خيفة منها، فأصبحت لهم سهلة ميسرة بفضل هذا الأستاذ المتميز في طريقة شرحه وتوصيله للمعلومات عنها، سليمان الستاوي حطت به الرحال في قطر عام 1962، ومنذ انضمامه إلى أسرة التعليم بوزارة التربية وهو يقوم بتدريس مادة الفلسفة وعلم النفس والأخلاق وكذلك المجتمع القطري وعلم الاجتماع والمجتمع العربي ومناهج البحث للمرحلة الثانوية والمعهد الديني، عشق الطلاب حصصه التي يمضي وقتها سريعاً دون ملل وكذلك تعلقوا بأسلوبه في الشرح والكتابة، وهو دليل على تمكنه من هذه المواد وخصوصاً الفلسفة، حتى ارتقى فيها إلى درجة أستاذ الجامعة كما هي آراء كل من وقف على شرحه.لم يستخدم فقيدنا الضرب أو حمل العصى، وإنما كانت شخصيته المهيبة وحديثه الشيق المحبب، تفرض نفسها على الطلبة في الفصل فتجد الطلبة في حصته يسودهم الهدوء والسكينة على غير ما يعهدونه مع غيره، ففي حصته لا تسمع إلا همساً.وكان إذا أملى علينا كتابة الموضوع تخرج من ذاكرته العبارات التي يجيد إخراجها، ببراعة وتدبيج.سليمان الستاوي درس على يديه كوكبه من طلاب قطر، فجيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لا زالوا يذكرونه، ويشيدون بما أتاه الله من التميز في طريقة الشرح، فقد تفوق على من سبق ومن جاء من بعده دون التقليل من مكانة أحد، فالكل ساهم بقدر ما أوتي وما حصل.ربطتني شخصياً بالفقيد علاقة متميزة، استمرت منذ أن دخل علينا في الصف الأول الثانوي بالمدرسة الثانوية عام 1963 لتدريس مادة المجتمع القطري واستمرت حتى التخرج في الثانوية العامة عام 1965 وامتدت منذ ذلك اليوم وحتى وفاته لم تنقطع الصلة بيننا سواء عبر الزيارات أو الهاتف، وكنت أسعد باتصاله وسماع صوته، وقد عرفته صادقاً صدوقاً، استفدت من علمه كثيراً وتأثرت كثيراً بكتاباته وأسلوبه التي لازالت ذاكرتي تحتفظ بها وتخزل الكثير منها وعشقت مادة الفلسفة وعلم النفس والأخلاق التي درسناها على يده في مرحلة التوجيهي، وأذكر أنني عندما ظهرت نتيجة الثانوية العامة، التي كانت تصحح في القاهرة، وكان ترتيبي الأول على القطريين في القسم الأدبي، حصلت على علامة كامله في مادة الفلسفة، وقابلته يومئذٍ في المدرسة حين ذهبنا لاستلام استمارات النجاح فقال لي كلمة لازلت أذكرها، وأذكره بها كلما التقينا، قال لي: تعرف يا يوسف علامتك (نمرتك) التي حصلت عليها في الفلسفة لو امتحنت أنا مدرسها لن أحصل عليها، قالها بكل صدق وبكل فخر لطلابه، فرددت عليه بأن الفضل يعود لله أولاً ثم للأستاذ المتميز سليمان الستاوي أطال الله عمره.وعندما ذهبت للقاهرة للدراسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية استمرت المراسلات بيننا نظراً لتلهفي وشوقي له ولكتاباته، وكنت قد سألته في إحدى خطاباتي له عن أحوال طلبه الصف الثالث الثانوي الذين جاءوا من بعدنا، بعد أن تقرر تدريسهم مادة الرياضيات، التي لم ندرسها في خطتنا الدراسية، كما قام بتدريسهم اللغة الانجليزية مدرس إنجليزي يدعى (هايدوك) فقال لي مداعباً وبأسلوب رقيق وعظيم " أما إخوانكم طلبه الصف الثالث الثانوي فهم بخير ويسيرون في دراستهم سيراً حسناً ولا يشكون سوى من الإنجليزي ومسترها، والرياضيات التي أعفاكم الله منها".ساهم الستاوي مساهمة فعالة في تأليف كتب المواد الاجتماعية خاصة الفلسفة وعلم النفس والأخلاق حيث عرضها بصورة مبسطة كما هي العادة من أسلوب تدريسه، وكذلك ألف في المجتمع القطري، الذي عكس انتماءه بصدق لقطر وابراز خصائص مجتمعنا القطري وتقديمه لأبناء قطر وغيرهم من الطلبة العرب والمسلمين في مدارسنا بصورة تبرز عراقة المجتمع القطري.هذه خواطر جالت في نفسي ولم يطاوعني القلم سوى بهذه الكلمات التي أعتقد أنها لن توفيه حقه، كأستاذ عظيم له علينا كطلبة حق، لأننا مدينون بالفضل لمن علمنا. أردت أن تتعرف الأجيال على من خلف وراءه سيرة عطرة أثرى بها مسيرة التعليم عندنا، وظلّ حتى الرمق الأخير من حياته وحتى تقاعده عن العمل في التوجيه التربوي مهموماً بالتعليم ومنشغلاً بمشاكلة وطرح الحلول لإصلاحه.واليوم يرحل عنا أستاذ الفلسفة المتميز، بعد أن دعاه ربه إليه، ولعّل الله طيب له الموت فأحب لقاء الله فأحب الله لقاءه وسوف تستذكر تلك الأجيال التي نهلت من علمه دوره وإسهاماته كعلم من أعلام الفلسفة خصوصاً وأنه تفاعل مع اخوانه وطلابه من قطر، فبادلهم الحب فأحبهم وأحبوه وربطته علاقات أخوة وصداقة مع الكثير منهم لا نملك إزاء ما قضى الله، إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى العلي القدير أن يشمله برحمته ورضوانه ويجمعنا به في جناته، ولنا في الابنين الكريمين (براء وأبي) وأخواتهما والأسرة الكريمة خير الخلف، ولله ما أخذ وأعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، رحم الله أستاذنا أبا براء وأفسح له في قبره، وعوضنا في فقده خيراً، "وإنا لله وإنا إليه راجعون".