14 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أن تأكد ذهاب رئيس الحكومة التونسية الحالي السيد الحبيب الصيد إلى جلسة منح الثقة بمجلس نواب الشعب، يوم السبت 30 يوليو الجاري، لكي يُكرِّس تكريسًا لسلوك ديمقراطي يتشبّث من خلاله باحترام الدستور، وهي فرصة لردّ الأمانة إلى المجلس الذي منحنه ثقته، يصرّ الصيد على رفض الاستقالة والخروج بصمت من الباب الصغير، كما يحدث في ظل النظام الرئاسي مع أي وزير أول، وهو يرى في الاختيار الذي انتهجه في هذا المنحى السبيل الدّستوريّة الأقلّ تعقيدا، والأسرع قياسا بالسبل الأخرى، والمقصود خيار عرض الثقة في الحكومة على مجلس نواب الشعب باختيار من رئيسها، دون تكليف رئيس الجمهوريّة أو نواب الشعب، عناء هذه المسؤوليّة. ومن المعلوم أن الصيد، منذ ظهور نية استبعاده من منصبه على خلفية مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، يرفض أن يتحمل وحده الإخفاق الحاصل في مسيرة عمل حكومته، لاسيَّما في ظل مرور تونس بأزمة اقتصادية خانقة، إضافة إلى وجود مافيات ولوبيات فساد قوية تعوق نهج الإصلاح والتنمية، فضلا عن وجود أطراف حزبية ووزارية من أحزاب الائتلاف الحاكم متورطة في ملفات فساد كبيرة، مثل ابن الرئيس حافظ قائد السبسي الرجل الأول في حزب «نداء تونس»، ورئيس حزب «أفاق تونس»، وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في الحكومة الحالية، ياسين إبراهيم.ولكن التطور الأبرز في مواقف الصيد الأخيرة، هو ظهوره في وسائل الإعلام التونسية بأنه رجل الدولة الوفي بقوله «سأبقى على ذمة الدولة، ولن أتقاعد»، فهذه المواقف القوية في ظل الضغوطات التي مورست عليه مؤخرًا، تؤكد أن للرجل طموحات كبيرة تتجاوز رئاسة الحكومة، وأنه لن يستسلم بسهولة. وكانت وسائل الإعلام التونسية تحدثت مؤخرًا عن حصول القطيعة بين الصيد ورئيس الجمهورية، في ضوء التهديد الذي أطلقه مستشار الرئيس التونسي نور الدين بن نتشه عندما اتصل بمحمد بن رجب، الوزير السابق وأحد أصدقاء الحبيب الصيد، وأبلغه بضرورة استقالة الصيد تحت طائلة «التمرميد» وهو مصطلح سوقي تونسي، يعني الإهانة.وما أن بدأت صفحة الحبيب الصيد بالطيّ، انشغلت الطبقة السياسية الحاكمة بالبحث عن بديل، يخلف الصيد، ووفق ما تسرب من معلومات قريبة من حزب «نداء تونس»، فإن حاتم بن سالم الرئيس الحالي لمعهد الدراسات الإستراتيجية من بين أبرز المرشحين لترؤس حكومة الوحدة الوطنية مرشحا توافقيا قد تقبل به الأطراف المشاركة في الحوار، ويمكن اعتباره مرشح نداء تونس الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية، إضافة إلى علاقته برئيس الجمهورية الذي عينه في منصبه الحالي منذ 2015. ويملك السيد حاتم بن سالم الذي يدخل سباق الرئاسة، خبرة كبيرة في المجالين السياسي والأكاديمي، إضافة إلى كونه آخر وزير للتربية في حكومة بن علي، فهو متحصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية والسياسية وعلى شهادة التبريز في القانون العام، كما شغل منصب سفير في أكثر من دولة إفريقية وأوروبية، بالإضافة إلى توليه منصب كاتب دولة لدى وزير الخارجية مكلفا على التوالي بالشؤون المغاربية والإفريقية ثم الأوروبية، كما شغل عدة مناصب في مجال الدراسات الإستراتيجية وحقوق الإنسان.ولئن كثرت الأسماء المتداولة حاليا لشغل منصب رئيس الحكومة، فإن هناك أولا مواصفات بديهية يجب أن تتمثل في رجل رئيس حكومة الوحدة الوطنية، لاسيَّما أن تونس مقبلة على مزيد من الانفتاح التجاري وحرية التبادل، والالتحاق بالاقتصاد المعولم عبر الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال ما تفرضه المؤسسات الدولية المانحة من ضغوطات، حتى تنعتق تونس في خيارات مضمون العولمة الاقتصادية، أي تطبيق السياسة الليبرالية الاقتصادية الجديدة التي ترتكز على الحرية المطلقة لحركة انتقال السلع ورؤوس الأموال والأشخاص عبر الحدود دون قيود، وإنهاء أي نوع من تدخل الجهاز الحكومي في الحياة الاقتصادية، وخصخصة القطاع العام.وإذا كانت أحزاب الائتلاف الحاكم في تونس: النداء والنهضة وآفاق والاتحاد الحر، مدعوة لاختيار رئيس حكومة الوحدة الوطنية، فإن الطبقة السياسية الحاكمة في تونس لا تمتلك كامل السيادة في قراراتها الوطنية. فتونس كانت ولا تزال محكومة بالقرار الدولي، لاسيَّما من جانب الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية المانحة والولايات المتحدة. وبالتالي فإن اختيار رئيس الحكومة يجب أن يستجيب لشروط هذه الأطراف المتنفذة في تونس، لاسيَّما أن الدولة التونسية في ظل زعامة الباجي قائد السبسي لا تمتلك أي رؤية أو إستراتيجية وطنية للتنمية، وهي مدعوة لكي تطبق برنامج الإصلاح والتكيف الهيكلي المفروض من جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الذي يقوم على تبني جوهر الليبرالية الاقتصادية الجديدة، وتحجيم دور الدولة، وتقليص تدخلها في النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وتخفيض الإنفاق العام، وتجميد الأجور، وإلغاء الدعم التمويني، وإعادة توزيع الدخل والثروة لصالح الطبقة الرأسمالية الطفيلية الفاسدة، عبر تخفيض الضرائب على الدخول والثروات الكبيرة، وبيع مؤسسات القطاع العام، أي الخصخصة. وعليه، فإن مواصفات رئيس الحكومة التونسية المقبل يجب أن تتوافر فيه شروط الاستجابة للمطالب الدولية آنفة الذكر، ومن بين الشخصيات المطروحة التي تتوافر فيه حظوظ النجاح في اختياره لكي يكون مقبولًا دوليًا، هو السيد إلياس الجويني، الذي ولد يوم 5 يناير 1965 بتونس، وهو خبير اقتصادي ومالي وجامعي تونسي عضو في المعهد الجامعي للخبراء في حسابات التأمين بفرنسا. فقد كشفت مصادر مطلعة وقريبة من دوائر القرار في التحالف الرباعي الحاكم، لصحيفة الصريح التونسية في عددها الصادر اليوم الثلاثاء 26 يوليو 2016، أن المشاورات المكثفة حول اختيار الشخصية التي ستترأس الحكومة القادمة، شهدت طرح اسم إلياس الجويني وهو أستاذ جامعي مختص في الاقتصاد والمعاملات المصرفية. وأشارت الصحيفة إلى أن الجويني يدرس في كبرى الكليات الفرنسية وأشهر المعاهد العليا، إضافة إلى اعتماده خبيرا من الدرجة الأولى من قبل العديد من المؤسسات الاقتصادية والمصرفية الدولية.