12 سبتمبر 2025

تسجيل

النووي الإيراني.. واقتصادات النفط

29 يوليو 2015

تساؤلات ومناقشات وجدل حول الاتفاق النووي بين إيران و(5+1) وتأثير ذلك على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في المنطقة العربية التي تعتمد في مواردها الاقتصادية بشكل كبير على عائدات النفط وتتأثر بأسعاره ارتفاعا أو انخفاضا خاصة دول الخليج، التي تعاني من منتصف العام الماضي من الانخفاض التدريجي في الأسعار إلى أن بلغت في الربع الأول من 2015م نحو 55.8 دولار للبرميل محققةً معدل انخفاض بلغ 50% مقارنةً بشهر يونيو لعام 2014م، ويمكن القول بأن هناك تغيرات ما تشهدها المنطقة اقتصادية وسياسية بعد الاتفاقية النووية، وهذا ما سوف تنبئ عنه الأيام، ومن ثم لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال التأثيرات الاقتصادية المحتملة. وفي ظل هذا الوضع، فإن إيران بعد توقيع الاتفاق النهائي مع مجموعة 5+1 بشأن البرنامج النووي وما يترتب عليه من رفع العقوبات الدولية المفروضة على تصدير النفط الإيراني وسواء كان هذا الرفع تدريجياً أم مباشراً فإن مثل هذه المستجدات سوف تفسح المجال لضخ المزيد من النفط الإيراني في السوق العالمي ومن ثم مزيد من الضغوط على توجه الأسعار نحو الهبوط، لأنها سوف تتعلق بقوة تأثير عوامل العرض في تشكيل هيكل الأسعار الحالي، وعلى السياسات التي يمكن أن تقوم بها دول الخليج تحت مظلة منظمة الأوبك، وإن كانت إيران ستحتاج ما لا يقل عن عام من أجل عودة إنتاجها النفطي إلى مستويات ما قبل العقوبات، والتي بلغت 3.8 مليون برميل في اليوم الواحد، رغم أن العقوبات الدولية أدت إلى تراكم المخزون النفطي الإيراني بحوالي 20 مليون برميل من النفط الخام. ومن الطبيعي أن تقوم إيران بضخ هذه الكميات في السوق مع رفع العقوبات، لتسهم في نمو المعروض العالمي من النفط الخام ومن ثم تخفيض الأسعار العالمية للنفط واتجاهه نحو تحقيق مزيد من الخسائر،لأن رفع العقوبات الاقتصادية على إيران سيؤدي إلى زيادة العرض في سوق النفط، وإن كانت تنص قوانين وأعراف منظمة الأوبك على تحقيق توازن بين العرض والطلب في أسواق النفط العالمية، ومن ثم على أوبك أن تخفض إنتاجها بقيمة حصة إيران عندما يتم إعادة ضخ إنتاجها من جديد، بعيدا عن أي أجندات سياسية، حتى تحافظ على سقف الإنتاج الذي تلزم به منذ عشر سنوات بحوالي 30 مليون برميل يوميا، وهذا بالتأكيد سوف يقلص من حصص بعض المنتجين في أوبك الذين زادوا من إنتاجهم بسبب العقوبات التي فرضت على إيران، وإن كانت إيران تحتاج إلى مدة طويلة لزيادة إنتاجها بحوالي 0.8-1 مليون برميل يومياً، وهذه عملية ليست عملية سهلة وتحتاج إلى الوقت وإلى الكثير من المعدات والتجهيزات الحديثة التي تفتقرها صناعة البترول الإيرانية في الوقت الحالي ولذلك يتوقع الخبراء عدم قدرة إيران على زيادة إنتاجها بأكثر من نصف مليون برميل باليوم حتى أواخر 2016م، حيث تبلغ طاقتها الإنتاجية حوالي 3.6 مليون برميل يوميا، خاصة أن رفع الحظر سيتم تدريجيا تماشيا مع الالتزامات التدريجية التي ستنفذها إيران بشأن برنامجها النووي. وكذلك فإن إيران سوف تفكر كثيرا قبل زيادة إنتاجها في الوقت الحالي الذي يعاني فيه المنتجون من تدني سعر برميل النفط لأدنى مستوى منذ عدة سنوات، الأمر الذي يجعل من الأسعار الحالية غير اقتصادية بالنسبة لها، ولذلك من المهم تتوافق دول الأوبك ومن بينها إيران على مستوى معين من الإنتاج يحفظ لهم جميعا قدرا معينا من المكاسب ولو من خلال تقليل الخسائر التي تتعرض لهم نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج مقارنةً بعوائد المبيعات، لأن أي تخفيضات أخرى في الأسعار ستؤدي إلى خسائر فادحة للجميع بما فيها الشركات الأمريكية المنتجة للنفط الصخري ومن ثم فإنه يمكن أن تقوم دول الخليج بتخفيض الإنتاج وتترك المجال للنفط الإيراني بشكل تدريجي وبحيث يعود لمستواه السابق قبل العقوبات وفي ذات الوقت تحافظ أوبك على سقف الإنتاج التي التزمت به، لأن المنطق والمؤشرات الاقتصادية تؤكد على أن أي خفض في أسعار النفط في العالم سينتج عنه تكبد الدول المنتجة خاصة إيران خسائر فادحة، إذا لم تحدث انهيارات جديدة في الأسعار، قد تلقي ظلال قاتمة على اقتصادات الدول النفطية، التي لا يمكن أن تتحمل انتكاسات سعرية أكثر من ذلك، لأنها كانت تأمل قبل الاتفاق النووي الإيراني في زيادة سعر برميل النفط إلى مستوى 70 دولاراً، ولكن في ظل هذه المشاهد فإن الاقتصاد الإيراني هو أول المستفيدين من هذا الوضع خاصة بعد أن ترفع العقوبات عن الأرصدة الإيرانية المجمّدة والمحتجزة في الكثير من بنوك العالم التي تبلغ نحو مائة وخمسين مليار، سوف تحدث انتعاشاً في القطاعات الاقتصادية المختلفة تنعكس على علاقتها التجارية مع دول الجوار ومع دول الغرب، وهذا يخلق بيئة جديدة جاذبة للاستثمارات الدولية في المنطقة تتميز بضخامة السوق وثبات المؤشرات الاقتصادية مما يسحب بالتأكيد البساط من تحت دول المنطقة الساعية لجذب الاستثمارات الأجنبية مثل مصر والعراق وباكستان وتركيا.