19 سبتمبر 2025

تسجيل

الجمهوريون وعقدة الفوضى الخلاقة

29 يوليو 2015

رغم الأثر السيئ الذي أحدثه آل بوش على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يبدو الكثير من المرشحين الجمهوريين أسرى البدائل التي مارسها بوش خلال فترتي ولايته. فعلى مدار ثماني سنوات هي مدة حكم بوش الابن تورطت الولايات المتحدة على نحو صريح في حربين فاشلتين، كان من نتائجهما أكثر من 7000 قتيل أمريكي، وحوالي 60000 مصاب، وتم إنفاق حوالي 2 تريليون دولار، فضلاً عن سن سلسلة من القوانين المقيدة للحريات التي لم تجعل حياة الأمريكيين أكثر سهولة، ولم تجعل العالم أكثر أمنا. ومع ذلك، فإن الكثير من المرشحين الجمهوريين المحتملين في الانتخابات الرئاسية القادمة، يعتقدون أن السياسات الفاشلة الخاصة ببوش الابن، والتي تسببت في العديد من الأزمات الداخلية والخارجية، أساسية لتحقيق الاستقرار في العالم، تماما كما كانت أساسية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011 من وجهة نظرهم، هذه العقلية صارت تسيطر على الكثير من مرشحي الحزب الجمهوري، الأمر الذي قد يجعل منهم مصدرا محتملا للمزيد من الفوضى في الشرق الأوسط والعالم. الغريب أن الكثير من الجمهوريين يقرأون الكوارث التي تسببت فيها سياساتهم على نحو معاكس لما يقرؤها عليه الآخرون، فبالنسبة لهم فإن حرب الخليج الأخيرة أدت إلى ميلاد عراق مزدهر وحر، وحرب أفغانستان أنتجت ديمقراطية فعالة وأخلاقية! ويبدو أن الكثير منهم ينوون الاستمرار على هذا الأسلوب، إذ هم مقتنعون أن لهم دورا أساسيا في تحقيق الأمن العالمي، وأن أي انسحاب من ساحات النزاع الكبرى عبر العالم يعني أن الإرهاب قد انتصر وأن أعداء أمريكا قد نجحوا في إذلالها. المرشح الجمهوري للرئاسة "تيد كروز"، أحد معاوني بوش خلال حملته الرئاسية عام 2000، (شغل منصب مستشار بوش للسياسة الداخلية)، يعكس هذه التصورات بوضوح، إذ هو لا يكاد يختلف عن بوش الابن في تصوراته الشرق أوسطية. ورغم أن كروز يضع نفسه في مكان متوسط بين الانعزاليين والتدخليين، إلا أن تصريحاته تنم عن رغبة واستعداد للتدخل في شؤون المنطقة على نحو كبير، فهو يرفض استهداف نظام بشار الأسد بضربات جوية، كما يعارض قيام إدارة أوباما بتسليح فصائل المعارضة السورية، معتبرا أن هذه المعارضة لا تختلف كثيرا عن تنظيم القاعدة. ولكنه رغم ذلك يؤمن بضرورة استهداف تنظيم الدولة وتوجيه ضربات قوية له. وقد قرر كروز أن يدلف إلى الشرق الأوسط من بوابة التطرف الديني، واختار أن يدعم الملف المسيحي في هذا الصدد. ولكن كروز مثل سلفه بوش لا يدرك طبيعة تعقيدات الشرق الأوسط، فهو لا يدرك مثلاً الفارق بين المسيحيين الأمريكيين ومسيحي الشرق الأوسط. وقد اتضح هذا الخلط على نحو صادم خلال مؤتمر نظمته مجموعة تعرف بالـ IDC (In defense of Christians) تعنى بشؤون مسيحي الشرق الأوسط، وتسعى لإيجاد نوع من الوحدة بين المذاهب المسيحية المختلفة (الأرثوذكس، الكاثوليك، الأقباط، السريان، الآشوريين، الموارنة إلخ). في البداية استقبل الجمهور المسيحي خطاب كروز بتصفيق شديد، إثر دعوته للوحدة بين المسيحيين واليهود وكل أصحاب النوايا الحسنة للوقوف في وجه المتعصبين ممن لا يقبلون أن يختلف معهم أحد في معتقدهم، مشيراً إلى تنظيم الدولة، وتنظيم القاعدة، وحزب الله، وحماس، معتبرا أن كل هذه التنظيمات تشارك في حملة الإبادة الشرسة لتدمير الأقليات الدينية في الشرق الأوسط، ورافضا ما يقال عن وجود اختلافات بين هذه الجماعات وبعضها البعض. ولكن جهل كروز بالمنطقة اتضح عندما صرح بالقول إن السبيل الأساسي لحماية المسيحيين يكون من خلال إسرائيل، بوصفها الحليف الطبيعي لمسيحي الشرق الأوسط. عند هذه النقطة قوطع كروز من قبل الحضور، الذين اعترضوا على فكرة توكيل إسرائيل في حمايتهم أو الدفاع عنهم، وبدأوا في الصياح ضده، ولكن كروز المتصهين رد بالقول إذا لم تكونوا في صف إسرائيل فلن أكون في صفكم، فمن يكرهون إسرائيل يكرهون أمريكا. حالة هذا المرشح الجمهوري نموذجية في إظهار كيف يسقط المرشحون الجمهوريون الخبرة الأمريكية المتصهينة على الآخرين فيفترضون مثلاً أنه طالما أن أمريكا ليس لها حليف أفضل من إسرائيل فإنه بالنسبة للآخرين أيضا يجب أن تكون إسرائيل أفضل حليف لهم. وأنه طالما أن التهديدات الذي تواجهها الولايات المتحدة تنبع من الجماعات الدينية المسلحة، فإنه لابد وأن يكون اضطهاد المسيحيين الشرقيين على يد إسلاميين بالضرورة. ولم يدر بخلد كروز أنه ربما تكون إسرائيل متورطة بشكل ما في اضطهاد المسيحيين الذين يسعى لكسب أصواتهم. الغريب أن كروز بعد أن أدرك كراهية الجمهور المسيحي لما يقوله لم يتراجع، وإنما استمر في التأكيد على فكرته، وهو ما أدى إلى أن انقلب عليه الجمهور تماما ومنعوه تقريبا من إكمال كلمته فاضطر إلى الانسحاب. لاحقا أكد المرشح الجمهوري أن ما جرى لم يكن بسبب تصريحاته المستفزة وإنما بسبب سيادة جو من التعصب والكراهية ومعاداة السامية بين مستمعيه! المرشح الجمهوري تيد كروز يؤكد إذن صفة الجهل المترسخة لدى المرشحين الجمهوريين بشؤون الشرق الأوسط، ويعيد إنتاج خطاب وسياسات جورج بوش الابن، على نحو يجعل المفاضلة بين المرشحين الجمهوريين لاختيار واحد منهم لخوض الانتخابات الرئاسية مجرد تحصيل حاصل، فمعظمهم إن لم يكن كلهم ينوون استكمال ما بدأه بوش الابن من سيناريو الفوضى التي وصفها في حينها بالخلاقة!.