15 سبتمبر 2025

تسجيل

أولمبياد آخر للقتل في سوريا

29 يوليو 2012

بينما كل الأنظار مشدودة إلى العاصمة البريطانية لندن لمتابعة انطلاق مسابقات الأولمبياد الدولي هناك بكل ما فيها هذا العام من تقنيات وإعلاميات وبهرجة احتشدت من 204 دول وكرست لها الحكومة البريطانية جهد 7 سنوات من التخطيط والعمل الذي لا يخلو من الهاجس الأمني لتوفير سلامة الحشود الكبيرة التي تجمعت للمشاركة والمتابعة لفعاليات المناسبة التاريخية التي ترتبط بحضارة اليونان القديمة وتاريخها. فلا خيار أمام لندن وحكومة ديفيد كاميرون سوى العمل لتحقيق أمن المناسبة وبأعلى درجاته صيانة لسمعة بريطانيا العظمى التي استغلت المناسبة لتمرير التعريف بالجانب الحضاري للبلاد وتاريخها. عموماً على جانب آخر من العالم هناك أولمبياد مستمرة لا تحظى بنفس القدر من التغطيات الإعلامية لأولمبياد لندن سوى أن تلك الأولمبياد تخصصت لتسجيل أرقام قياسية في هتك الإنسانية وقتل الأنفس دون هوادة بل ويستشعر الجاني فيها بأنه في سباق مع الوقت أمام رقاب خلق الله وإراقة دمائهم. نعم أولمبياد القتل مستمر في سوريا ففي حين كانت لندن ترفع شعلة الاحتفال كانت حلب المدينة السورية العريقة التي ارتبطت بتاريخ أبينا إبراهيم وارتبطت أيضاً بتاريخ الإدرار والعطاء حين كان نبي الله إبراهيم يحلب بقرة شهباء في لونها ويسقي الناس من لبنها فشاع الاسم بين العالمين " حلب الشهباء ". أقول بينما لندن تحتفل كانت حلب تُدك وتعاني الحصار وهي الموطن لأقدم الحضارات الإنسانية التي علمت الإنسان بعض سلوكه في العطاء والصبر والمعايشة. فشتان بين تاريخين وبين رمزين في البلد الجميل فذاك يتكبد عناء استدرار الحلوب ليسقي ويطعم ومعاصر يدُك البيوت على من فيها من أطفال ونساء تشبثاً بالسلطة وزخرفها وتحقيقا لرغبات دولية ترى في العيش فوق الجماجم وأنهار الدماء سبيلاً لكرامات الأمم والشعوب دون استحياء أو حتى مجرد شعور بالذنب. عموماً والعالم كان مشغولاً باحتفالات لندن واستعراض تاريخها كنت أود لو التفت المنظمون إلى الوضع في سوريا وقبله في فلسطين واستعرضوا بعض ما يجري هناك كجزء من معاناة البشرية ومحاولات بعض أفرادها الخلاص من القهر والظلم سعياً نحو العدالة والحرية وضمان أساسيات العيش الكريم الذي تنشده مثل تلك المحافل التي تتشدق بحرية الإنسان وترصد تفوقه وتتباهى باستعراض إمكاناته بينما في الجانب الآخر من يموت دون أن يُلتفت إليه بل إن الغريب أن دولا مثل روسيا والصين تشاركان بقوة في ألعاب الأولمبياد وتحضر كل وفودهما دون خجل تماماً كما يفعل مندوبوهم في مجلس الأمن حين يصوتون بـ " الفيتو " تلو الآخر في وجه العالم حين يقرر حقن دماء الأبرياء. فهم يكرسون القتل من جهة ويهدون الورود والابتسامات إلى العالم من الجهة الأخرى سوى أن ورودهم وابتساماتهم وملابسهم الرياضية ملطخة بالدماء وتتنافى مع مناسبة عالمية مثل الأولمبياد الذي أقر ليجتمع العالم من كل قاراته ويتحد للعمل ضد قيم الشر والمهانة ويهدي بعضه السلام والمحبة. ختاماً أولمبياد سوريا مستمر دون شعلة بل بحريق ضخم مر بموسكو وبكين في تأكيد إلى عودة الانقسام العالمي وعسكرته وفقاً لأيديلوجيا سياسية قديمة لا تعير الاهتمام سوى لمصالحها فقط ودون اعتبار لقيم أو أخلاق. الجميل الآن أن مدونات العالم وصحفه وفضائياته ستجمع بين أخبار الحدثين جنباً إلى جنب " ما بين سوريا ولندن " لتظل ذاكرة التاريخ تؤكد أن بعض من يرفعون الورود هناك في لندن ويتنافسون من أجل الإنسانية وتحقيق نتائج قياسية رياضيا. فهم أيضاً من يكرس القتل هنا في دمشق وحلب وغيرهما بل ويعطيه شهادة دولية بحجم الفيتو ربما ليظلوا بارزين دائماً ولكن بلا إنسانية.