31 أكتوبر 2025
تسجيلالمطالب - المزعومة - التي تم تسريبها بقدرة قادر من إحدى دول الحصار، والتي تم اتهام قطر بتسريبها كالعادة، لا شيء يؤكد أنها هي نفسها التي يتحدث المحاصرون لقطر عنها، وبالتالي لا أستبعد احتمالات أن ما تم تسريبه هو للاستهلاك الإعلامي والشعبي، لينشغل الناس بها بحثًا ونقاشًا وعراكًا، فيما هناك قائمة أخرى يتم بحثها في أروقة وزارات الخارجية الخليجية والأجنبية، بعيدًا عن أعين الإعلام، بحيث إن تم التوصل إلى اتفاق ما، خرج المحاصرون وقد حفظوا ماء وجوههم فلا يظهرون بصورة المنهزمين.. لا أقول بأن كل ما جاء في القائمة المسربة ليس صحيحًا، ولكن أحسبُ أن هناك نقاطًا قليلة، فيما بقية النقاط التي أضيفت للقائمة هي للاستنزاف الإعلامي وإشغال الناس بها كما أسلفنا. لاحظ أن كل تصريحات وزراء خارجية الثلاثي الخليجي عامة، واتهاماتهم لقطر مرسلة لا تخرج منها بفائدة أو حقيقة يمكن البناء عليها. تراهم يتمحورون حول نقطة واحدة مفادها أن قطر تخالف توجهاتهم، وأن عليها الالتزام بالتوجهات العامة لمجلس التعاون وعدم التفرد بالقرار السياسي وغيره! أضف إلى ذلك دخولهم في لعبة الأمريكان والإرهاب التي اخترعها بوش بعد أحداث سبتمبر، وأحسبُ أنه لا أحد من وزراء الخليج عنده القدرة على وصف مصطلح الإرهاب، بل هم ليسوا بأكفأ من نظرائهم الأمريكان والأوروبيين في هذا المسلك، الذين لم يصل أحدهم إلى وصف دقيق لمعنى الإرهاب، ولا اتفاق دوليًا على هذا المعنى إلى الآن، حتى صار الإرهاب أقرب إلى تهمة يوصف بها أي فرد أو مؤسسة أو دولة، لفتح أبواب من العقوبات أو الابتزازات، فهكذا بدأ بوش حملته عام 2001، وسار معه كثيرون في هذا التخبط وإلى يومنا هذا. تلك المقدمة الطويلة لبيان أن ما يحدث ضد قطر منذ كذبة سكاي نيوز أبو ظبي قبل شهر، وما تم البناء عليها إلى الآن، لا يخرج عن باب الابتزاز ليس أكثر. لكن لماذا الابتزاز؟ قد يتساءل أحدكم. والجواب باختصار، هو الرضوخ لتوجهات وخطط عدد من اللاعبين في مشروع كبير تم التخطيط له منذ زمن للمنطقة، وقد حان وقت تنفيذ الجزء الأكبر منه، فيما يُعرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي بشر به شمعون بيريز في كتاب سماه بنفس الاسم عام 92، ويقوم على فكرة اقتصادية خلاصتها، استغلال المال الخليجي لتحويل الفكر الإسرائيلي لمشروعات اقتصادية يتم تنفيذها بأيدي عمالة مصرية، وبالطبع الرابح الأكبر هي إسرائيل! المشروع منذ التبشير به يواجه عراقيل عديدة، لكن الصبر الإسرائيلي لا حدود له، ومع ذاك الصبر تجد جهودًا أخرى تعمل على إزالة كل ما يعرقل تنفيذ المشروع. وأبرز العراقيل إلى الآن متمثلة في البقية الباقية من المقاومين للمشروع الصهيوني، والمتمثلين بشكل أساسي في حركة حماس ككتلة بشرية، وقطاع غزة كحقيقة جغرافية، وإن إحدى الحلول هي إزاحتهم بصورة وأخرى، ديمغرافيًا وجغرافيًا! وهذا ما يفسر بروز فكرة قديمة متجددة تقضي باستغلال جزء مناسب من سيناء المصرية لتوطين فلسطينيي غزة، بمساهمة نظام مصر العسكري الحالي بالأرض، مع دعم مالي سعودي إماراتي وبمباركة أمريكية. بالطبع ليس الأمر بالسهولة التي نتحدث عنها، لكنه يسير وفق إستراتيجية طويلة المدى، تسخن بعض مراحله أحيانًا ثم تهدأ لحين، وتراوح مكانها من أجل أن تعود مرة أخرى وهكذا.. اليوم نعيش إحدى المراحل الساخنة التي لابد من إنجاز نسبة مقنعة من المشروع الكبير هذا. فاليوم توافقت عدة مصالح عربية وإسرائيلية ورأت أن الوقت مناسب لقطع أشواط في هذا المشروع. هذا المشروع بحاجة لمليارات الدولارات، ولأن خزائن الخليج شبه فارغة لاسيَّما الخزينة السعودية والإماراتية بعد زيارة ترامب الأخيرة للمنطقة، اتجهت الأنظار صوب خزينة قطر وربما مستقبلًا الكويت. إذ المطلوب من قطر أولًا المساهمة المالية في المشروع، وأي رفض أو مماطلة ستكون نتائجها غير سارة. ومن ثم ثانيًا، سيعمل القائمون على المشروع على إزاحة حماس كحجر عثرة أمامهم وكل من له صله بهذه الحركة، والقصد ها هنا قطر ومستقبلًا تركيا، اللتان لا تزالان تكسران حصار غزة وترفعان الروح المعنوية لأهلها. هذا الأمر لابد أن يتوقف، لأن بقاء غزة بهذه الروح، فيه أيضًا مخاطر تعطيل لأحد أهم مشروعات الشرق الأوسط الكبير، المتمثل في قناة مائية جديدة تعمل إسرائيل على تنفيذها بعد حين من الدهر قليل وقريب، من بعد أن تم الانتهاء من إجراءات بيع نظام مصر العسكري لجزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وأثر هذا البيع في تحويل الممر المائي بين الدولتين إلى ممر دولي يؤدي إلى ميناء إيلات الإسرائيلي الذي منه ستنطلق قناة بن غوريون وتربط البحر الأحمر بالأبيض المتوسط. ومن شأن هذه القناة التي إن صارت واقعًا متجسدًا على الأرض، أن يضرب أهم شرايين الاقتصاد المصري المتمثل في قناة السويس، والمتوقع ألا تختلف مصر حينها عن أي دولة إفريقية غارقة في ديونها ومشاكلها. خلاصة الكلام، أن قطر تتعرض لابتزاز مالي رخيص من قبل الجوار وللأسف، وبدفع مصري وتحت أنظار الأمريكان. قطر مطالبة بدفع الكثير لمشروعات القرن أو الشرق الأوسط الجديد، شأنها شأن السعودية والإمارات! وعليها أن تصرف على النظام العسكري المصري الذي أنهك الرياض وأبو ظبي، وعليها كذلك أن تنخرط في دعم الصناعات الأمريكية وتوفير الوظائف للأمريكان تنفيذًا لوعود ترامب الانتخابية لشعبه!! الرفض أو المماطلة من شأنها إدخال قطر في دوامة الإرهاب وتبعاتها، وهذا ما وضح للجميع منذ كذبة سكاي نيوز أبو ظبي، التي لابد من الإشارة إليها دومًا، على أنها الشرارة الأولى للنار التي اشتعلت بالخليج، والتي ستحرق الجميع بعد قليل فيما لو احترقت قطر، مالم يتدخل أولو الألباب والبصائر في دول الخليج والعالمين العربي والإسلامي، حكامًا ومؤسسات وشعوبا، فاليوم قطر وغدًا الكويت وبعدها تركيا، وهي الدول التي لا تتوافق مع توجهات المنخرطين في مشروع القرن الذي فيه الكثير من التفصيلات التي لا تسمح المساحة ها هنا بالتعمق فيها.. هكذا المشاهد الأولية لهذا الحصار والهدف منه كما تبدو الآن، إلا أننا مؤمنون وعن يقين تام في الختام، بأن الله لا يصلحُ عمل المفسدين.