13 نوفمبر 2025
تسجيلعنوان مركب طويل يستحق التوقف عنده وتفنيده والتعليق عليه في ضوء المعنى والمغزى، والموضوعية والمنطق، والعقلانية الدولية، والعجرفة الإقليمية. فالعنوان يعنى أن لدول الحصار مطالب لحل الأزمة، فما هي هذه المطالب، وما المطلوب من قطر إذن، وكيف لقطر أن تنفذ هذه المطالب؟ ولماذا على قطر أن تنفذ هذه المطالب دون أن تعرف التهمة التي سببت الحصار؟ وذلك يعني أن لقطر مطالب أيضا، وأهمها تحديد تهمتها وتبريرها. أفلا ينبغي من دول الحصار، ومن باب أولى أن تقدم اتهاماتها وحججها قبل مطالبها؟ فما هي التهم المبررة التى يستند إليها الحصار والمقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية؟ فقطر لا تعرف إلى الآن ما هي تهمتها تحديدا، فهي متهمة بدعم الإرهاب، وأي إرهاب هذا الذي تتحدث عنه دول الحصار الشقيقة، فالإرهاب مصطلح عام عائم غير محدد، وغير مُعرف، ومن هنا يأتي التساؤل عن المقصود بالإرهاب ودعمه، فهل دعم المقاومة يعتبر إرهابا يستحق المقاطعة والحصار، وهل جمع التبرعات للمحتاجين من ضحايا الحروب، والمشردين واللاجئين إرهابا يعاقب عليه قانون دول الحصار؟ ومن هي دول الحصار ليكون لها قانونها الخاص بدعم الارهاب؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات محددة وواضحة وشافية لتعرف قطر وغير قطر مسؤولياتها الدولية نحو دعم المستضعفين من بني البشر. وبهذه الخطوة تهرب دول الحصار من مأزقها في ضعف حجتها إلى الأمام بعرض هذه المطالب كشروط تعجيزية لفك الحصار وحل الأزمة بعد أن اندهش العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية من معاقبة قطر بالحصار دون أسباب واضحة ومحددة.ولكن تحت وطأة الدهشة العالمية، وضغط الوقت المهدر — ثلاثة أسابيع من الحصار غير المبرر — ومسابقة الزمن، والاستعجال في بلورة الموقف وتبريره، وتحت سلطان الغيظ والغضب، وغياب العقل، وفقدان الأعصاب، وارتفاع درجة التوتر العصبي، قد تعثر حظ دول الحصار، واختلت موازينها، وتخبطت مساراتها، فتعرقل خروجها من المأزق الأول ليوقعها في مأزق آخر أكثر تعقيدا. وقد تمثل هذا المأزق الجديد في صياغة قائمة المطالب التسلطية العشوائية التي تفوح منها رائحة التحكم والسيطرة وكسر الإرادة، والانتقاص من السيادة، وغلبت عليها لغة الأمر والنهي التي أفقدتها الموضوعية والمنطقية والعقلانية والقابلية للتنفيذ، وحصرتها في زاوية ضيقة يصعب التحرك فيها. وبناء عليه، فقد جاءت هذه القائمة غير متزنة، ولا متماشية مع مطالب الدول المتقدمة كأمريكا وألمانيا على سبيل المثال، ومتجاهلة من جهة لنداء وزير الخارجية الأمريكي الذي ركز فيه شفاهة على وجوب عقلانية المطالب، وقابليتها للتنفيذ. كما أثارت القائمة بشكلها ومضمونها ولغتها المتعالية من جهة أخرى غضب وزير الخارجية الألماني حيث وصفها بأنها استفزازية للغاية. وهذا تعبير ساخط من مسؤول كبير في دولة عظمى كألمانيا. ولذلك، فقد أوقعت القائمة دول الحصار في شر أعمالها، وتسببت في إحراجها أمام العالم. ولا مناص للخروج من هذا الموقف إلا بالتعقل، والاحتكام إلى موازين العصر وحضارته، والمنطق وقوته، والتخلي عن العجرفة والتسلط، والقوة ومنطقها الأعوج.وبالنظر إلى هذه المطالب، وخصوصا تلك التي لا تتوافق مع منطق العقل، وقوة المنطق، والمنتقصة لسيادة دولة قطر، والتدخل في شؤونها السيادية الداخلية والخارجية مثل تخفيف التمثيل الدبلوماسي مع إيران، والسماح لدول الحصار بمراقبة أموال التحويلات الصادرة من الدولة، وإغلاق قناة الجزيرة، وغيرها من المطالب غير المعقولة التي تعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية المرفوضة شكلا ومضمونا. وفيما يتعلق بعناصر من الحرس الثوري الإيراني، فهذا مناف للحقيقة، وإدعاء باطل لا وجود له في الأساس، ولا مبرر لذكره أصلا. أما فيما يتعلق بالقاعدة العسكرية التركية، فلا معنى لهذا المطلب على الإطلاق، وذلك لسببين أولهما — أن القاعدة لم تكن سببا للحصار، ولم تكن موجودة أصلا على الأراضي القطرية قبل قرار المقاطعة والحصار الجائر، بل جاءت نتيجة للحصار، من باب الحيطة والحذر، والاستعانة بالإمكانيات العسكرية إن لزم الأمر، فلا علاقة للقاعدة بالحصار أصلاً. أما ثانيا، فليس لأية دولة الحق بالمطالبة بترحيل قاعدة جاءت بناء على اتفاقات مسبقة ولمصلحة مشتركة بين دولتين صديقتين مستقلتين لا تخضعان لأية وصاية.. والسؤال هنا، ماذا يضير دول الجوار والحصار عندما تستعين الدولة المحاصرة سياسيا واقتصاديا أو حتى عسكريا بأية دولة أخرى صديقة، ولمَ الخوف من القاعدة العسكرية التركية؟ فهل هناك خطر لهذه القاعدة على دول الجوار، فالإجابة بالنفي طبعا، ولذا، فليس هناك ما يبرر هذا المطلب إلا إذا ساءت النية، ووجد في تواجد هذه القاعدة عرقلة لمخطط ما. ولذا، فيرجى التعقل والكف عن التدخل في شؤون الغير، وعدم مس السيادة القطرية بالأمر والنهي، بحق وبغير حق، فقطر دولة مستقلة ولها سيادتها على أرضها، ولن تسمح، ولن تستجيب لأي مطلب يتعلق بهذه السيادة. فهذه المطالب بالنسبة لقطر لتعلقها بالسيادة القطرية، هي خطوط حمراء لا مجال لمناقشتها والاقتراب منها. أما باقي المطالب، فيعود أمر البت فيها إلى قيادة الدولة، والله من وراء القصد.