12 سبتمبر 2025

تسجيل

خمس سنين في مدينة النبي الأمين (12)

29 يونيو 2015

كنا قد بدأنا الحديث في الحلقتين السابقتين من سلسلة "خمس سنين في مدينة النبي الأمين" عليه أكمل الصلاة والتسليم عن شيوخنا، وفي هذه الحلقة أتحدث عن شيخي الثالث والذي تعرفت عليه في مزرعة الشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ في "المندسة" ، فأثناء زيارتنا المعتادة للشيخ في مزرعته وجدناه قد دعا أحد الضيوف من المشايخ وعندما دخلنا سلمنا على الشيخ حسين وبعدها سلمنا على ضيفه الذي سلم علينا بحرارة وابتسامة ظلت لا تفارق محياه طوال الجلسة مع ما يظهر على هيئته من سمت العلماء وتنسك أهل الزهد. إنه الشيخ العالم العامل المربي الفرضي الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الشمسان من علماء منطقة القصيم بالسعودية.كان حديث مجلسه غالبه نقاش ومذاكرة في مسائل العلم مع الشيخ حسين والشيخ الطويان لا يقطع ذلك إلا بعض الحديث عن الذكريات حتى جاء وقت العشاء فأقيمت الصلاة وصلى الشيخ حسين بنا في ساحة الاستراحة وبعد الصلاة رفع الشيخ الشمسان صوته بالذكر ولم يرفع الشيخ حسين فبعد انتهاء الشيخين من الأوراد بادر الشيخ حسين الشيخ ابن شمسان بالسؤال عن دليل رفع الصوت بالذكر عقب الصلاة غير حديث ابن عباس فقال الشيخ ابن شمسان وهل حديث ابن عباس لا يكفي فحصلت مناقشة لطيفة تعرفك فيها علم الشيخين.تاقت نفسي للأخذ عن الشيخ عبدالرحمن بن شمسان فسألته عن دروسه فأخبرني أنه قدم للمدينة لكي يدرس في دورة علم الفرائض في جامع البلوي بالفيصلية والتي تعقد بعد صلاة الفجر إلى الشروق فحضرت في اليوم الأول ولكني لم أستطع الحضور في الأيام التي تلتها لأنني أقرأ على الشيخ حسين في المزرعة بعد العشاء ولا نرجع إلى البيت إلا منتصف الليل فطلبت من الشيخ عبدالرحمن أن يعطينا وقتا آخر للقراءة عليه فوافق جزاه الله خيرا وحدد لنا موعدا بعد العصر في الحرم النبوي عند كرسي الشيخ أبوبكر جابر الجزائري.ونظرا لما فتح الله على الشيخ في كتب العقيدة فقد طلبت منه القراءة عليه في متن من مختصرات العقيدة فقال لا نبدأ إلا بالأصول الثلاثة للإمام محمد بن عبدالوهاب وكان الدرس خاصا لي وللشيخ عبدالعزيز فلما جاء وقت الدرس ذهبت لوحدي في اليوم الأول نظرا لوعكة صحية ألمت بالشيخ عبدالعزيز جعلته لا يقوى على الخروج معها، فلما جاء الشيخ سألني وقال أين عبدالعزيز فقلت مرض ولم يستطع على القيام فتأثر الشيخ وجلس يدعو له بالشفاء وقال سم فاستفتحت وصليت على النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ودعوت للشيخ وقرأت قطعة من أول الكتاب وبعدها شرع الشيخ في الشرح، وفي اليوم الثاني جاء عبدالعزيز فلخص الشيخ درس البارحة قبل الشروع في الدرس الثاني.كان درس الشيخ من أفضل الشروح وأكثرها بركة وفائدة لأنه يجمع بين العلم والتربية إلا أنه لم يتيسر لنا إتمام المتن عليه في المدينة فرحلنا إلى الشيخ في القصيم بعدها وقرأنا عليه "الأصول الثلاثة" و"القواعد الأربع" وأردنا قراءة "نواقض الإسلام" كما هي عادة النجدين في التحصيل فكان رأي الشيخ أن النواقض تقرأ بعد "كتاب التوحيد" فقرأنا عليه في كتاب التوحيد وكذلك الطحاوية كاملة ولله الحمد وكنا نزور الشيخ كل فصل دراسي مدة أسبوع للقراءة عليه.ونصحنا الشيخ على القراءة على العالم الزاهد العابد الشيخ محمد السليمان العليط ويقول اقرأوا عليه في الزهد، وقد عملنا بوصيته فقرأنا على الشيخ محمد السليمان في الزهد لوكيع. والشيخ محمد السليمان رجل بكاء من خشية الله لا نكاد نستفتح القراءة بذكر الباب عن ما جاء في البكاء مثلا إلا يسمع بكاءه، وسأفصل الكلام عن الشيخ في مقال لاحق بإذن الله. ويعرف الشيخ ابن شمسان بالكرم الحاتمي فما نزور الشيخ إلا ويدعونا للغداء والفطور والعشاء وقهوة بعد العصر. كما أن الشيخ كان ممن له الفضل بعد الله في حثنا على تدريس ما درسته، ويقول: درس الأصول الثلاثة وبعدها التوحيد وبعدها الواسطية ويقول هكذا يثبت العلم وينتشر ويحث على الصبر على تعليم الناس والجلوس لطلبة العلم ولو كان الحضور واحدا، وكان يضرب المثل بالشيخ ابن عثيمين رحمه الله ـ ويقول جلس قرابة الخمسين عاما ليس عنده سوى طالب واحد حتى فتح الله عليه.ولما سألت الشيخ عبدالرحمن عن حلمه ورحابة صدره؟ قال: استفدت ذلك من شيخي صالح بن بليهي فقد كان يرحب بطلبة العلم، وإذا انقطع بعض الطلبة عن الدروس ثم رجع لم يعنفه الشيخ ولم يغضب منه. وكذلك أقول عن شيخي الشيخ عبدالرحمن بن شمسان فلقد جمع بين العلم والتربية والتزكية أحسبه كذلك، ولا أزكي على الله أحدا.