11 سبتمبر 2025
تسجيلدائماً يأتي رمضان الجميل ومعه فضائل تحض على الشفقة، والجود، والإحسان، ورتق قميص الود الذي انقطع بين الناس، شيخنا الفاضل أحمد بن محمد البوعينين نحى إلى الجانب الإنساني في رمضان الخاص بالعلاقات الإنسانية بين الناس فحض على طي الصفحات القديمة بكل خلافاتها، وفتح صفحة جديدة فيها التسامح عمن أساء، والصفح عمن أخطأ، وأكد أن التسامح والصفح سمة من سمات المسلم، ولعله بتوجيهه الكريم نكأ دون أن يدري جرحاً لدى كثيرين، فكم من سنوات مرت على بشر رغم مرور رمضان بكل إنسانياته لم يتقاربوا، كم من إخوة يجمعهم نسب الدم متخاصمون في رمضان، وكم من أقارب تجمعهم أرحام، وصلات، وأنساب متخاصمون في رمضان، وكم من أصدقاء، وشركاء، وخلطاء جمعهم حق العيش والملح متخاصمون في رمضان، لم يرتق رمضان قلوبهم، ولم يؤثر في أرواحهم لتلين وتتقارب، كلهم يسمعون الدعاة، ويصلون، ويؤدون فرائضهم لكن عند المصالحة مع من اختلفوا معه يتجمدون، فلا كلام، ولا مراجعة نفس، ولا مصالحة تجمع تفرقهم، ولعل من يبحث يوما عن أسباب القطيعة في كثير من الأحيان بين الناس لوجد أنها بفعل شياطين الإنس الذين يستهويهم ضرب مودات الناس بنقل باطل، أو ادعاء كاذب، أو تشويه لمشاعر جميلة صادقة، أو ضرب لوفاء أصابهم بالغيرة، أو هواية التفريق بين المتحابين، وللأسف كثيراً ما ينجحون في ضرب العلائق الطيبة ليكون التباعد، والجفوة، والخصام، وتغير القلوب بالسواد بعد ودادها! ولعل المؤلم في تلك المشاحنات خاصة في رمضان أنها مانعة للمغفرة وهذا ما يقلق كثيرين، وإذا كان المشاحن من الأربعة الذين لا يغفر لهم الله لأن ثلاثة أيام مرت ولم يتصافَ مع أخيه المسلم ولم يبادره بالكلام فما بالنا بشهور وسنوات تكر والخصام معقود لا تنفك عقده، والحقيقة أن البعض يستجيب للآية الكريمة (لا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) لكنه يصطدم بمن يتصور أن التسامح معه ضعف، والمسامحة هوان، ونسيان الجور، والظلم، والتعدي قلة حيلة، فيا ليت شيخنا الفاضل يوضح لمتابعيه هل يسقط وزر المخاصمة على من اعتدي عليه فسامح من أخذته العزة بالإثم ومضى في غيه غير آبه بالتوجيه الرباني الجميل، إنه أمر يهم بشراً كثيرين، ألهمنا الله وإياكم حسن النظر في عواقب الأمور، ومسح على صدورنا بصبر جميل ينحو بنا إلى الصفح الجميل.* * * طبقات فوق الهمس* أسمع كثيراً (اللهم ارزقنا بر أولادنا بعد الموت) سؤال.. هل أعددنا أولادنا لهذا البر، وزرعنا فيهم ما يجعلنا أهلا لبرهم؟ صفحات الفيس بوك تشي بأننا فشلنا في التربية، وفقدنا السيطرة على النشء، أما المرئي والمسموع والمقروء لحالات العقوق الفجة، وإهمال الأولاد لأمهاتهم وآبائهم فحدث ولا حرج، وعلى الذي ينتابه شك فليقم بزيارة قصيرة لمستشفيات العجزة أينما وجدت في وطننا العربي الجميل ليرى بعينيه كيف ماتت الرحمة، ومعها البر!! * تصيبني دهشة عندما أسمع أن (فلانة) "مش طابخة شيء على الفطور!! ليه؟ لأن الأولاد حيطلبوا فطورهم من بره"! يعني سيطلب كل واحد ما يشتهي من المحل الذي يشاء!! ليأكل أيضا وقتما يشاء، لا لمة على المائدة، ولا جمع على فطور الوالدة، ولا أيدي ستمتد لنفس الصينية العودة وقبلها بسم الله، سيأكل كل واحد في حجرته، أمام تليفزيونه، أمام المسلسل الذي يريد، أو البرنامج الذي يفضل!! هذا نموذج عصري لأولادنا في رمضان، وعلى المندهش أن يتصور كيف سيكون الحال بعد عدة أعوام، هذا مهم أيضاً للمهتمين بالتراث حيث أتخيلهم يكتبون كانت الأسرة في رمضان تجتمع على مائدة واحدة.. والباقي تعرفونه!!* يقول الرجل الفاضل (من خطورة العيش بين المعصية والطاعة أنك لا تدري في أي فترة منهما ستكون الخاتمة، افعل الطاعة إخلاصا لا تخلصا، وحافظ على النفل تقرباً لا تكرماً، فأنت الأحوج للطاعة، والله عنها غني، لا تجعل همك حب الناس لك فالناس قلوبهم متقلبة قد تحبك اليوم وتكرهك غدا، وليكن همك كيف يحبك رب الناس فإنه إن أحبك جعل أفئدة الناس تهواك) اللهم يسر لنا درباً يوصلنا إلى حبك وحب من يحبك.* في سكينة يوم من أيام رمضان، في لحظة صفاء روحي شغيف يمكن أن ترى الفرق جلياً، يمكن أن تلحظ أن الناس يترقبون ذنوبك، وعثراتك، والله يترقب توبتك، وأنهم يملون شكواك وينتظر ربك مناجاتك، ويغضبون إن سألتهم، ويغضب الله إن تركت سؤاله، ويجحدون معروفك، والله يزيدك أضعافا مضاعفة، ويتنكرون لودك والودود إذا تقربت منه صادقا زادك وداً وقرباً، ألا تتركهم وتفر إليه يا صاحب الفطنة؟* أفراحنا تختلف، فقد يكون فرحك لربحك كام مليون بالبورصة، أو لبيعك أرضاً أورثتك ما لم تتصور من مال، أو لنجاح مشروعك الذي قرب لك كل ما كنت تحلم به، أو لنيلك شهادة رفيعة، أو منصباً مهماً، تتعدد أفراحنا لكن يظل هناك دائماً بشر أقل منا أحلاما فرحتهم كلمة.. تليفون يسمعون فيه صوت أحبتهم المغتربين في أصقاع العالم، فرحتهم اطمئنانهم على أن أطفالهم ناموا شبعانين، فرحتهم حوائط أربعة تحميهم من البرد والحر، فرحتهم انتهاء دين عليهم يدفعونه من قوت أطفالهم، فرحتهم إحساس بالأمان والغنى عن سؤال الناس، أترانا ونحن نرفل بحلل من السعادة والفرح انتبهنا لأفراح المعدمين التي مازالت سؤالا معلقاً بالهواء؟* أفدح ما يمكن أن يبتلى به الإنسان قساوة القلب، فيا من تتجاهل أوجاع غيرك فتؤلمه وتمضي وكأنك لم تفعل شيئاً، تذكر أن الطبق يدور مرتين، وأن مؤشر الأيام سيقف يوما عندك لتفعل بك الأيام ما فعلت بغيرك، وكله يا بطل سلف ودين.* نقول تاني: الإحسان، والرحمة، والإحساس بهموم الآخر، وقضاء حوائج الناس كلها مشاعر صيغت من نبل لا يشترى، ولا يلقن، ولا يدرس، ولا يورث، فإما أن تكون نبيلاً أو لا تكون.