18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); وقعت الكارثة، فسعت السلطة اللبنانية لتداركها ولملمة آثارها والحرص على عدم تكرارها. الكارثة لم تكن بانكشاف حصول التعذيب في أحد أكبر السجون اللبنانية، بل في أن اللبنانيين والعالم شاهدوا عيّنة مصوّرة منه، من خلال فيلميْن مصوّرين انتشرا على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شاشات التلفزة ظهر فيهما عناصر أمنية لبنانية تقوم بتعذيب وحشي لعدد من الموقوفين الإسلاميين. الحديث عن التعذيب في السجون اللبنانية ليس جديداً، فروايات الموقوفين الذين يخرجون من وراء القضبان متواترة وكثيرة، وهي في جميع الأحوال لا تحتاج لدليل بما أنها مطبوعة على أجسادهم متسببة بعلامات حمراء وخضراء وسوداء، وأيضاً عاهات مؤقتة ودائمة. هذا خسر عينه بعدما تلقى ضربة عليها، وآخر أصيب بالديسك بعدما وضعه السجانون بوضعية "الدولاب" لأيام، وآخر بات يحتاج لغسيل الكلى بشكل مستمر بعدما حُرم من الماء فترة طويلة، عدا الأمراض النفسية التي تصيب معظمهم جراء الإهانات والشتائم والتهديد بالاعتداء على الأعراض.. إلا أن جميع هذه الروايات لم تكن تلقَ آذاناً صاغية، وكانت المراجع الرسمية تصر أمام وفود المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية على نفي حصول التعذيب في السجون أو في مراكز التوقيف، ليكشف الفيلمان المصوران عن كذب هذه الادعاءات ولتؤكد على كل ما كان يُقال. معالجة فضيحة التعذيب المصوّرة شكلت فضيحة أكثر من الحدث نفسه. فوزير الداخلية أدان واستنكر، وضرب يده على صدره متحملاً المسؤولية مؤكداً إجراء تحقيق "شفاف"، واعداً بعدم تكرار ما حصل، بعدما تمّ توقيف العناصر الأمنية التي ظهرت في الفيلمين المصورين. ولكن، ماذا عن العناصر الأمنية التي مارست التعذيب ولم تنكشف هويتها ولم يظهرا في الفيلمين، ألن تتم ملاحقتهم؟ ماذا عن الصورة التي تسربت إلى وسائل الإعلام ويظهر فيها عشرات الموقوفين وهم عراة في ساحة السجن من بينهم رجال دين وتبدو على أجسادهم آثار التعذيب والتنكيل، من قام بهذا الفعل، ومن سيحاسب عليه؟ ماذا عن روايات الموقوفين الذين أخلي سبيلهم وتحدث بعضهم إلى وسائل الإعلام عن أن التعذيب في السجون ومراكز الاعتقال دائمة ومستمرة وهي لم تتوقف يوماً؟ من سيدقق في تأكيد عدد من الموقوفين أن التعذيب الذي حصل قبل شهرين خلال مداهمة السجن استهدف بشكل خاص الموقوفين الإسلاميين؟ من يتابع تأكيد إحدى المنظمات الحقوقية بأن بعض عناصر الأمن أرغموا أحد الموقوفين على اغتصاب زميله؟ هل ستكرر السلطات المعنية خطأها بإهمال اتهامات السجناء والموقوفين للعناصر الأمنية؟السلطة السياسية أهملت الفضيحة الإنسانية والأخلاقية والقانونية التي شاهدها العالم وصبّت اهتمامها على منح الحصانة لوزير الداخلية ولجهاز قوى الأمن الداخلي الذي تنتمي إليه العناصر التي ظهرت في الفيلمين المصورين. ولكن من سيعيد الكرامة للموقوفين الذين أهينت كرامتهم، من يعيد النظر لمن خسر إحدى عينيه، من سيخفف عن الموقوفين الأوجاع التي تسبب بها التعذيب، والأهم ما الضامن لعدم تكرار ما شاهده العالم، طالما أن السلطات المعنية تصر على أن ما حصل كان فردياً؟من الظلم تحميل وزير الداخلية وقوى الأمن الداخلي وحدهم وزر ما حصل، فأعمال التعذيب والإهانة والتحقير في السجون وفي أقبية التحقيق وحتى في الشارع أمر معروف وشائع، وهو لاينحصر بجهاز أمني دون غيره. فقبل عامين قتل أحد الموقوفين الإسلاميين جراء التعذيب الذي تعرض له خلال التحقيق معه من قبل مخابرات الجيش اللبناني ولم يعرف أحد نتيجة التحقيق بذلك. وقبل فترة انتشرت أفلام مصورة تظهر فيها عناصر أمنية وهي تقوم بضرب وركل وإهانة أحد المواطنين في الشارع، ولم يُعلن عن أي إجراء لمحاسبة المسؤولين. فمن الواضح أن مشكلة التعذيب تكمن في الذهنية التي تتعامل بها الأجهزة الأمنية، ومن الواضح أكثر غياب أي إرادة جدية لمعالجة هذا الأمر من جذوره طالما أن المعنيين يصرون على تبسيطه ووضعه في الإطار الفردي. حسب الإجراءات التي اتخذها وزير الداخلية، بالإمكان تأكيد أن أعمال التعذيب في السجون ستتواصل لكن على الأرجح من دون تصوير، وستشكل السجون ومراكز التحقيق اللبنانية مصنعاً نموذجياً يقوم بتخريج إرهابيين متطرفين وانتحاريين لايسعون بعد خروجهم من السجن إلا للانتقام من الذين عذّبوهم وامتهنوا كرامتهم وأهانوهم، والارتماء في أحضان الجهات التي تناصب السلطة التي عذّبتهم العداء. هل نتساءل بعد ذلك لماذا يلتحقون بتنظيم داعش؟!