11 سبتمبر 2025

تسجيل

مبادرة قطرية تاريخية

29 يونيو 2013

لم تشهد دولة قطر ثورة سياسية على غرار بعض البلدان العربية مثل تونس ومصر ، لكنها شهدت ربيعاً عربياً ديمقراطيا ً حقيقياً على طريقتها، من خلال المبادرة الجريئة التي أقدم عليها حضرة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بتخليه عن الحكم لمصلحة نجله سمو الشيخ تميم، يوم الثلاثاء 25 يونيو الجاري. وجاء هذا الانتقال السلس للسلطة في مرحلة تاريخية حساسة جدا تشهدها المنطقة العربية، إضافة إلى ، تنامي الدور المتزايد والمؤثر الذي تلعبه القوة الناعمة في العلاقات الخارجية لدولة قطر علي المستويين الإقليمي والدولي، وذلك في ظل العولمة وثورة المعلومات والاتصالات. لذا، كانت قناة الجزيرة إحدى أهم- إن لم تكن أهم- أدوات القوة الناعمة التي اعتمدت عليها السياسة الخارجية لقطر في تعزيز مكانتها إقليميا ودوليا. ففي عهد حضرة صاحب السمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني،الذي استلم السلطة في عام 1995، تحولت قطر أصغر دولة في منطقة الخليج ، إلى إحدى الدول الخليجية الساعية إلى لعب دور إقليمي مؤثر، إذ حرصت على إيجاد مكان لها على جدول أعمال القوى الدولية والإقليمية ذات الصلة والمصالح في منطقة الشرق الأوسط، وبدأت قطر منذ ذلك التاريخ بنسج شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية من أجل تحقيق ذلك الهدف. فقد تحولت قطر في عهد الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى اسم عالمي ، وهي تنافس حاليا على استضافة الألعاب الاولمبية سنة 2014. ويعتبر المتحف الإسلامي في الدوحة نموذجاً لوضع المال في خدمة الثقافة. وبعد أن كانت خزينة قطر خاوية، حولها الشيخ حمد دولة قطر إلى أكبر مصدر للغاز المسال ، مع ترسانة مالية ضخمة ، إذ بلغ اجمالي ناتجها القومي 189 بليون دولار في العام الجاري، واحتلت المرتبة الاولى عالمياً في معدل دخل الفرد الذي بلغ 102800 دولار العام الماضي، مع نمو اقتصادي بلغت نسبته 6.4 في المئة عام 2013 نزولاً من 16 في المئة عام 2011 وهي النسبة الاعلى في العالم، بعد ان احتلت قطر المرتبة الاولى عالمياً في انتاج وتصدير الغاز الطبيعي. وهذا ما جعل الكاتب الفرنسي المعروف أوليفييه دالاج في كتابه الجديد "قطر، سادة اللعبة الجديدة" يقول : إن الأمير حمد استعمل ترسانته المالية ببراعة لإجبار دول العالم على احترام قطر". لقد ترك تراجع الحضور السياسي العربي الفاعل من جانب الحوامل الإقليمية التقليدية في منطقة الشرق الأوسط فراغاً كبيراً ، سعت كل من القوى الإقليمية الجديدة الصاعدة على غرار تركيا و قطر أن تملأه ، حيث تربط كل من تركيا و قطرعلاقات وطيدة مع حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية. و في هذا السياق يقول أوليفييه دالاج ، إن السياسة الخارجية التي انتهجها الأمير حمد أسهمت في تغيير الخريطة السياسية العربية، من خلال ما يتمتع به من حس استراتيجي، كما يقول دالاج:" لم يتردد في دعم المقاومة ضد إسرائيل ، فكان أن سجل لقطر حضوراً مؤثراً من الجنوب اللبناني إلى قطاع غزة، ثم سارع بجسارة إلى قيادة رياح الربيع العربي، فكان أول من دعم الثورات في تونس و ليبيا و مصر وسوريا". في أول خطاب ألقاه أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يوم الأربعاء 26 يونيو الجاري، وخصص الشيخ تميم قسماً كبيراً من خطابه للاشادة بدور وشكر والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي وصفه بأنه "فارس ترجل في أوج عطائه". وأكد الشيخ تميم رفض الطائفية والمذهبية في العالم العربي، وقال "نحن كمسلمين نحترم التنوع في المذاهب ونحترم كل الديانات في بلداننا وخارجها، وكعرب نرفض تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي ومذهبي ذلك لأن هذا يمس بحصانتها الاجتماعية والاقتصادية ويمنع تحديثها وتطورها على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين والمذهب والطائفة". واعتبرالشيخ تميم أن الانقسام الطائفي "يسمح لقوى خارجية بالتدخل بقضايا الدول العربية وتحقيق النفوذ فيها". وأكد الشيخ تميم البالغ من العمر 33 عاماً، أن بلاده "تلتزم التضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله لنيل حقوقه المشروعة وتعتبر تحقيقها شرطاً للسلام العادل الذي يشمل الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية التي احتلت في 1967 بما في ذلك القدس الشرقية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية وعودة اللاجئين ولا تسوية من دون سلام عادل". وإذ ذكر بأن قطر "انحازت الى قضايا الشعوب العربية وتطلعاتها للعيش بحرية وكرامة بعيداً عن الفساد والاستبداد"، أكد مستعيداً جملة لأسلافه أن قطر "ستبقى كعبة المضيوم". السؤال الذي يطرحه المحللون الغربيون ، بعد أن أصبح أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (33 عاماً) أصغر حاكم في العالم العربي، هل سيواصل النهج الذي وضعه والده . يجمع المراقبون المتابعون للشؤون القطرية ، أن الشيخ تميم الذي يتقن اللغتين الفرنسية و الإنجليزية ، سيواصل السياسية الخارجية عينها لوالده ، و إن بنوع من الاجتهاد الشخصي الذي يحافظ على الاستمرارية ، معتمدا في ذلك ، أولاً ، على القوة/الناعمة، ومستغلا القدرات الاقتصادية والمالية لدولة قطر، و استخدامها في النشاط الديبلوماسي لتعظيم مصالح قطر وتأثيرها في بلدان ومناطق كانت تقع تحت نفوذ منافسيها في السابق، وتنشيط دور قطر في لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية، والمشاركة بدور ريادي في المؤسسات الدولية، معتمداً على الإرث الذي تركه له والده في هذا المجال ، حيث نجحت قطر عام 2008 في التوسط لإبرام "اتفاق الدوحة»"لإنهاء الأزمة السياسية في لبنان. وفي عام 2010، توسطت من أجل وقف إطلاق النار في السودان بين حكومة الخرطوم ومتمردي دارفور، الأمر الذي عزز من سمعتها كوسيط . أما النوع الثاني، فهو الدبلوماسية العامة من خلال الإعلام، حيث قدمت الجزيرة نفسها على أنها صوت الشعوب والمنبر المفتوح لكل من لا صوت له.