11 سبتمبر 2025
تسجيلفي ندوة نظمها قسم الإعلام بجامعة قطر بمناسبة حصوله على الاعتماد الأكاديمي من مجلس الاعتماد لجمعية تدريس الإعلام والاتصال الجماهيري بالولايات المتحدة الأمريكية عادت إشكالية توطين وظائف الإعلام بدولة قطر إلى ساحة المناقشة و الحوار و المصارحة من أجل تحديد مواطن الضعف و رسم استراتيجية لعلها تأتي بالحلول من أجل إعطاء هذا القطاع الحيوي الإستراتيجي حقه من الإمكانيات المادية ومن الكادر البشري المواطن و من القوانين و الإجراءات التشريعية و التنظيمية و من الأجهزة التي من شأنها توفير المستلزمات الضرورية لإعلام يكون في مستوى الطموحات و الإنجازات التي حققتها دولة قطر. الندوة حضرها مسئولون كبار عن المؤسسات الإعلامية القطرية والذين سايروا المسيرة الإعلامية بالدولة منذ بدايتها الأولى والذين يعرفون القطاع الإعلامي والمنظومة الإعلامية القطرية جيدا. في هذا المقال سنركز على إشكالية النظام الإعلامي في دولة قطر و هل قام هذا القطاع بالدور المنوط به و هل استطاع أن يكون في مستوى التطورات التي حققتها الدولة في المجالات الأخرى؟ و ما هو الدور المسند للقائم بالاتصال المواطن في رفع التحدي و القيام بالدور الإيجابي والفعال للمؤسسة الإعلامية في دولة ركز فيها كبار المسؤولين على حاجتهم إلى إعلام كشف الحقائق و الاستقصاء و طرح المشاكل بكل شجاعة و جرأة، المسؤولون أكدوا أمام الملأ أنهم ليسوا بحاجة إلى إعلام التملق و الزخرفة. تنعم دولة قطر ببنية إعلامية و اتصالية جيدة حيث تعد من أحسن البني الموجودة على مستوى الوطن العربي أو باقي الدول النامية. فالدولة تيقنت و تأكدت أن عملية التنمية الشاملة لا تستطيع أن ترى النجاح و لا النور إلا ببنية تحتية قوية و خاصة في ميدان المواصلات و الاتصالات و الإعلام. فدولة قطر تتمتع اليوم بأربع يوميات ناطقة باللغة العربية و ثلاث ناطقة باللغة الإنجليزية ناهيك عن القنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية والمحطات الإذاعية و وكالة "قانا" للأنباء هذا إضافة إلى أكثر من 60 دورية و مطبوعة تعنى بمختلف الميادين و المجالات و تنشر باللغتين العربية و الإنجليزية.ما يمكن قوله عن البنية التحتية الإعلامية في دولة قطر أنها في مستوى إنجازات الدولة و ما حققته في مختلف الميادين. كما أننا لا نستطيع أن ننكر الدور الفعال و الإيجابي في عملية البناء و التشييد في هذه الدولة التي لعبته مختلف المؤسسات الإعلامية بفضل الصحفيين و الإداريين و المسؤولين. إضافة إلى ذلك تنعم دولة قطر بإنفاق إعلاني معتبر كما تنعم قطر بعدد معتبر من المشاركين في شبكة الإنترنت. كل هذه المؤشرات تبشر بالخير، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل البنية التحتية و الإمكانيات المادية تكفي لوحدها لإيجاد منظومة إعلامية وطنية محلية قوية وفعالة؟ ماذا عن المحتوى و ماذا عن الرسالة؟ شهدت دولة قطر في الفترة الأخيرة حوارا صريحا وجريئا و مباشرا بين الرأي العام و كبار المسؤولين حول حرية الصحافة في دولة قطر و حول الخطاب الإعلامي في الدولة والواقع المعاش، و السؤال الإستراتيجي الذي يطرح نفسه في هذه المعادلة هو القائم بالاتصال و هل إذا كان هذا الأخير أجنبيا (أكثر من 95% من الصحفيين وافدون) هل باستطاعته أن يقوم بدوره كما ينبغي بدون رقابة ذاتية و حذف ذاتي و تخوف…الخ. و البديل هنا إذن هو التفكير في الكادر المواطن. ما هي مكانة القائم بالاتصال القطري في العملية الإعلامية بدولة قطر و هل العنصر المواطن موجود في الساحة و يقدم الرسالة الإعلامية الواجب تقديمها للرأي العام القطري سواء فيما يتعلق بالمسائل المحلية أو الإقليمية أو العالمية و هل أنه يقدم ما عليه في ما يتعلق بشؤون التوعية و التثقيف ومجالات التنمية الشاملة بمختلف دروبها و مجالاتها في الدولة، و هل يقوم بمساعدة السلطة في كشف العيوب و التجاوزات والتناقضات ومحاولة تصحيحها. اهتمت القيادة السياسية في دولة قطر في السنوات الماضية اهتماما بالغا بموضوع توطين الوظائف بالدولة و بإشراك العنصر المواطن في مختلف القطاعات و المجالات خاصة القطاع الخاص. بالنسبة لوسائل الإعلام يكتسي الموضوع أهمية بالغة لأن الرسالة الإعلامية هي قبل كل شيء منتج فكري وسياسي وأيديولوجي وثقافي واجتماعي وهذا يعني أن القائم على إنتاج هذا الموروث الثقافي والاجتماعي والفكري الذي تقدم للرأي العام القطري محليا و الذي يقدم للرأي العام جهويا وإقليميا ودوليا باسم دولة قطر يجب أن يحمل بدون أدنى شك بصمات و إمضاءات العنصر القطري بكل ما تحمل الكلمة من معنى سواء من حيث الشكل والمضمون والمحتوى و اللكنة و اللباس و المظهر و المخزون اللغوي و اللساني ...إلخ. هذا يعني أن فسح المجال لأبناء وبنات قطر لخوض التجربة الإعلامية والعملية الإعلامية أمر لا جدال حوله، و أن التطور الذي شهدته دولة قطر في مختلف المجالات يجب أن يرافقه تطور على مستوى الطاقات و الكوادر البشرية المواطنة. كما يجب كذلك إيجاد معادلة صحية و صحيحة ما بين خريجي الجامعات ومختلف الكليات من جهة والمؤسسات الإعلامية سواء كان عاما أم خاصا من جهة أخرى. كما لا ننسى أن مخرجات وسائل الإعلام تلعب دورا استراتيجيا في صناعة وتشكيل الرأي العام، وهذا يعني أن صناعة الرأي العام القطري يجب أن يشرف عليها ابن و ابنة قطر وهذا أمر لا نقاش فيه على عكس صناعة البضاعة المادية التي لا تحمل في طياتها الفكر والسياسة والأيديولوجية و التاريخ والذاكرة الجماعية و الموروث الثقافي للأمة. تجدر الإشارة هنا أن الكفاءات الصحفية و الإعلامية العربية و الآسيوية الوافدة لعبت دورا إستراتيجيا ومازالت تلعب دورا بالغ الأهمية في عملية التنمية الشاملة بدولة قطر، وهذه الكفاءات من مختلف الجنسيات العربية و الآسيوية وجدت مناخا مناسبا في هذه الدولة لاستخدام خبراتها ومهاراتها وتجاربها ومؤهلاتها ووضعتها في خدمة الدولة، لا أحد ينكر هذا لكن المطلوب الآن و بعد مرور هذه الفترة كلها هو إقحام العناصر الشابة التي تخرجت من الجامعات ومختلف مؤسسات التعليم العالي و إعطائها فرصة المساهمة والمشاركة في بناء وطنها بكل فخر و اعتزاز. بيانات و إحصاءات جامعة قطر تشير إلى تخرج عدد هائل من أصحاب الشهادات الجامعية في مختلف التخصصات الإعلامية، و هذا يعتبر مؤشر جد إيجابي لإنجاح عملية التوطين و تشجيع العناصر الوطنية الشابة على الاقبال على مهنة المتاعب. من جهة أخرى نلاحظ الشكاوى المتكررة لخريجي الجامعة و الكليات بشأن عدم وجود وظائف في قطاع الإعلام، هذا القطاع الذي يطلب الخبرة والتجربة إلى جانب الشهادة الجامعية. لكن يا ترى أين هو الخلل؟ خريجو الجامعة من حملة شهادة الاتصال الجماهيري متوفرون، المسئولون في الدولة يؤكدون ويصرون على عملية التوطين وضرورة النهوض بإعلام قوي و فعال، إعلام لا يعتمد التلميع والتملق وإنما إعلام ينتهج كشف الأخطاء والتجاوزات والتناقضات كمذهب رئيسي من مذاهب عمله. هذا يعني أن الشروط والمستلزمات متوفرة، و أن صاحب القرار في الدولة مقتنع بضرورة و أهمية عملية التوطين، لكن من دون شك هناك بعض العراقيل والمشاكل سنتناولها في الجزء الثاني من هذا المقال في الأسبوع القادم بمشيئة الله.