15 سبتمبر 2025

تسجيل

الرابط اللغوي بين العالم العربي وتركيا (1)

29 مايو 2024

عاش العرب والأتراك معاً لأكثر من ألف عام، بدءاً من العصر العباسي وحتى نهاية العصر العثماني. ولذلك، كان من الطبيعي أن يؤثر المجتمعان العربي والتركي على بعضهما البعض، بما في ذلك التأثير على لغتيهما. عندما اعتنق الأتراك الإسلام، كان الفرس يقعون بين آسيا الوسطى والجزيرة العربية، فتعلّم الأتراك الإسلام من الفرس وبعض العرب الذين هاجروا إلى الشرق وصولاً إلى وادي فرغانة. وسرعان ما أصبح وادي فرغانة مركزاً للمعرفة بمدنه الكبرى مثل بخارى وترميذ وطشقند وسمرقند. كما اعتمد الفرس الكثير من الكلمات العربية بعد اعتناقهم للإسلام، تبنى الأتراك أيضاً العديد من المفردات العربية إلى جانب مجموعة من الكلمات الفارسية، ثم بعد ذلك حدثت هجرة جماعية للأتراك المسلمين إلى الغرب خلال القرنين التاسع والعاشر، ومنها إلى البلقان. انتقلوا أولاً إلى إيران والمشرق العربي، أي العراق وسوريا وفلسطين ومصر اليوم، حيث كانت الأناضول لا تزال تحت سيطرة البيزنطيين. لهذا السبب نرى عدداً ملموساً من الأتراك/التركمان لا يزالون يعيشون في العراق وسوريا ويتحدثون اللغة التركية. كما تم تعريب العديد من الأتراك/التركمان بسبب السياسات البعثية في النصف الثاني من القرن العشرين. وكان الوضع مماثلاً في مصر، حيث أدى التركيز الديموغرافي حول نهر النيل إلى اختلاط الأتراك بالأغلبية العربية، مما سهل عملية التعريب. بالإضافة إلى ذلك، أثرت سياسة التعريب التي اتبعها جمال عبد الناصر على الأتراك الذين يعيشون في مصر منذ ألف عام. يدل على هذا الوجود التركي الطويل وفرة الكلمات التركية في اللهجة المصرية مقارنة باللهجات العربية الأخرى. على سبيل المثال، لا تزال كلمات مثل أوضة وكوبري ودوغري وترزي شائعة الاستخدام هناك. وتشهد الأسماء النمطية التركية وأسماء العائلات على الارتباط الثقافي التركي بمصر، مثل إنجي، ونورهان، وطلعت، وثروت، بالإضافة إلى المسلمين الجدد الذين جاءوا مع العثمانيين مثل الأباظة، والأرناؤوط (الألبان)، والبوشناق وغيرهم. في العامية العراقية أيضا توجد كلمات تركية ميته بشكير وخاشوكة. ومن أسباب هذا القرب أن الحكم التركي استمر لفترة أطول في مصر، بدءاً من الإخشيديين عام 930 وانتهى عام 1952. هناك العديد من الأسماء التركية في مصر، مثل أوزبكية، لازوغلي، ودمرداش. علاوة على ذلك، لم تكن قطيعة مصر مع الماضي جذرية مثل ما حدث في تركيا في عهد الكماليين. يتذكر الكثير من المصريين أصولهم التركية بشكل إيجابي، كما وجدت في دراستي حول صورة الاتراك في مصر. لم أشاهد أي مصري ينزعج عندما قلت لهم «أنت تشبه الأتراك» أو «أنت شكلك تركي». وكان الأتراك يحترمون اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم، و لا يزال المثل التركي القائل «إن اللغة العربية هي لغة العرب ولغة الرب» منتشراً بين الشعب التركي، وتأثرت لغتهم كثيراً بالمصطلحات العربية الإسلامية. واتخذ السلاجقة اللغة العربية لغة العلوم والشؤون الدينية، والفارسية لغة الإدارة والأدب. واعتمد العثمانيون اللغة التركية في إدارة الدولة بدلاً من اللغة الفارسية، بينما ظلت اللغة العربية لغة العلم والدين. وبطبيعة الحال، كان الإسلام كدين يحتل دورا أكبر في حياة الناس مما هو عليه اليوم. أصبحت اللغة التركية العثمانية قوية جدًا من خلال الجمع بين ثلاث لغات (العربية والفارسية والتركية). استخدم العثمانيون الكلمات التي يحبونها بشكل أكثر استراتيجية وشعرية. على سبيل المثال، في اللغة التركية نستخدم يَر ولدينا كلمة كمان العربية لكننا استعرنا أيضًا زمين من اللغة الفارسية. أحيانًا نقول «زمان ومكان» أو «ير وزمان» أو «زمان وزمين» كتعبير أكثر شعرية. في بعض الأحيان استخدم العثمانيون كلمات من اللغات الثلاث معا مثل أق =بياض (أي الأبيض) = سفيد أو يوز = وجه = چهره يوز = وجه = چهره من ثلاتة لغة وأحيانا بالمعنى المختلف قليلا. يمكن للعربي أن يفهم % 60 بالمائة من اللغة التركية العثمانية بسهولة لأنها كانت مكتوبة أيضاً بأحرف عربية. وبالمثل، تمكن الأكراد والفارسيون من فهم النصوص والكلام التركي. من خلال الجمع بين اللغة التركية في آسيا الوسطى واللغة الهندية المحلية، كما تعد اللغة الأردية أيضاً توأماً للغة التركية العثمانية التي تحمل الكثير من الكلمات العربية والفارسية. الكلمات العربية إضافة إلى اللغة الأردية في المسلسل الهندي انتشرت هناك على يد السلالة التركية بابور شاه التي حكمت الهند لأكثر من ثلاثة قرون. وبفضل هذا المزيج الغني من اللغات، تمكنت اللغة التركية العثمانية من أن تكون وسيلة تواصل فعالة وجسراً ثقافياً بين العديد من الحضارات والشعوب. هذا التأثير اللغوي والثقافي يظهر بوضوح في العديد من الأدبيات والنصوص التاريخية التي تعكس التنوع والثراء اللغوي لهذه الحقبة.