01 نوفمبر 2025
تسجيلقوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه) فلم يقل لا يطيقونه، وإنما (يطيقونه) أي: يستطيعونه ولكنه يشق عليهم. يقول الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) قال القرطبي رحمه الله تعالى: هذا خَبَرٌ جَزْمٌ، نصّ الله تعالى على أنه لا يكلف العباد من وقت نزول الآية عبادة من أعمال القلب أو الجوارح إلا وهي في وُسع المكلَّف وفي مقتضى إدراكه وبِنْيَته. ومن صور التخفيف عند عدم الاستطاعة: ما جاء في الصَّلاَةِ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ. وفي الطهارة: جعل التيمم لمن لم يجد الماء، أو من شق عليه استعماله، أو خاف الضرر باستعماله.. وفي الصدقات: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ: فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ: فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ: فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ. أَوْ قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ. قَالَ: فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ. وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ. وهذا المعنى يعين كل المسلم على النهوض بما فرض الله عليه من تكاليف بالرضا والتسليم. فإن قصر في شيء من ذلك كان من ضعفه البشري، لا من ثقل التكاليف، فيستعيد عزيمته، ويشحذ همته من أجل الوفاء بأوامر الله. وفي هذا تأكيد على فردية التبعة والمسؤولية عن أعمال كل، فلكل نفس ما عملت من خير، وعليها ما عملت من سوء أو شر، ولا يتحمل المرء تبعات وذنوب الآخرين، كما قال تعالى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).