11 سبتمبر 2025

تسجيل

التعليم في أجواء كورونا

29 أبريل 2020

يلاحظ أن كل كوارث العالم المعاصر محدودة بزمان ومكان إلا كارثة فيروس كورونا الصغير الحجم، الكبير الأثر، والشديد الضرر، فلم تنحصر في مكان ولا زمان، فبدأت مع بداية يناير من العام الحالي 2020، ومن الصين شرقا إلى أمريكا وما بعدها غربا، مرورا بكل الدول الواقعة بين هاتين النقطتين. وما زال فيروسها يكتسح العالم وينتشر بسرعة البرق في أرجاء المعمورة، مما أرعب الناس وأرهبهم ونشر الذعر بينهم، فأُعلنت بسببه حالات الطوارئ في كل بقاع الأرض، واستُنفرت الطاقات البشرية، والامكانيات المادية. وبناء عليه، وفي ضوء طبيعة الفيروس وخصائصه وطريقة انتشاره، قامت وزارة الصحة القطرية بتسخير كل ما لديها من طاقات بشرية وإمكانيات مادية، وأجهزة وأدوات، وقوانين وتشريعات، وتعليمات وإرشادات احترازية وقائية في محاولة جاهدة جادة للحد من انتشار هذا الوباء قدر الإمكان بين أفراد المجتمع القطري. وتدعيماً لهذا التوجه، اتخذت الدولة قراراً بإلغاء كل ما يمكن أن يسهم في انتشار هذا الفيروس من لقاءات جماعية واجتماعات وتجمعات واختلاطات وفعاليات اجتماعية وأنشطة رسمية وغير رسمية؛ فأغلقت المدارس والجامعات وباقي المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة، وعُلق نظام الدراسة المباشرة عن قرب في الصفوف والقاعات الدراسية المعتادة، واستُبدل بنظام آخر عن بعد يُبعد الطالب والمعلم عن أجواء وبيئات اللقاء المباشر وجهاً لوجه، وما يتبعها من ظروف مكانية اجتماعية يمكن أن ينشط فيها الفيروس، وينتشر بشكل سهل وسريع. ولذا، فاتُخذ قرار التعليم والتدريس عن بعد باستخدام برامج وأنظمة وتطبيقات التعليم الإلكتروني التكنولوجية الفاعلة في توصيل المادة العلمية المقروءة، والمسموعة، والمدعمة بكل وسائل وإمكانيات المشاهدة والمعايشة الافتراضية إلى مكان الطالب في بيته، وذلك تطبيقاً لقرار الحجر المنزلي الذي اتخذته الدولة، وتفعيلاً لشعار "من أجل قطر.. خلك في البيت" ومن هنا تُوجه الدعوة إلى كل من يعيش على هذه الأرض من مواطن ومقيم أن يلتزم بتعليمات وزارة الصحة بالبقاء في البيت، وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى متحصناً بكل متطلبات السلامة والوقاية من كمامات وقفازات مع مراعاة المسافة الاجتماعية والتباعد الاجتماعي قدر الإمكان. ومن هنا يأتي التحدي الذي يواجه كل مؤسسات التعليم في الدولة في توصيل المادة العلمية إلى الطالب، فنقل الدراسة من مكانها الحقيقي المعتاد سواء كان المدرسة وصفوفها، أو الجامعة وقاعاتها الدراسية ليس بالأمر السهل الذي يمكن أن يتم بين عشية وضحاها. فالنقلة بحد ذاتها نقلة نوعية شكلت تحديا كبيرا للقطاعين التعليميين العام والجامعي. فليس من السهل التحول من نظام يقوم على المواجهة واللقاء المباشر وجها لوجه إلى نظام آخر غير مباشر يلتقي فيه كل من المعلم والمتعلم عن بعد كل في بيته. ولذا، فقد بذلت جهود كبيرة في تحقيق هذا المطلب، فقد سخر القائمون على التعليم في كل هذه المؤسسات كل ما لديهم من طاقات بشرية ومادية وتكنولوجية في الوصول إلى هذا المبتغى في ظل هذا الظرف الاستثنائي الطارئ، فعقدت الدورات التدريبية، وورش العمل المكثفة، وتحولت مرافق هذه المؤسسات التكنولوجية من معامل حاسوب، وقاعات اجتماعات وغيرها إلى خلايا نحل نشطة وفاعلة للوصول إلى هدف سام، ألا وهو توصيل المادة العلمية للمتعلم أينما كان، وتعليمه وتقييمه في نهاية المطاف للتمكن من الحكم على مدى تحقيق الأهداف التعليمية. ومن ناحية عملية نجحت هذه التجربة، حيث تم التدريس والتعليم عن بعد بتوفير كل مقومات النجاح، فأصبح كل طلبة المدارس والجامعات يتلقون دروسهم في بيوتهم دون معاناة الذهاب والإياب والاختلاط وغيرها من الظروف التي توفر بيئات سهلة مواتية لانتشار فيروس كورونا بين أبنائنا الطلبة. ولم يقتصر النجاح على التدريس فحسب، بل تعدى ذلك ليشمل التقييم أيضا. فتحولت عملية التقييم هي الأخرى إلى إلكترونية عن بعد، ويمكن أيضا اعتبارها تجربة ناجحة تقريبا على مستوى الجامعة على أقل تقدير، حيث لقت الكثير من الاستحسان والرضا من قبل الكثير من أساتذة الجامعة وطلبتها. ولذا، فهي دعوة من هذا المنبر لوزارة التعليم والتعليم العالي أن تحذو حذو الجامعة في اتخاذ قرار بتطبيق الاختبارات النهائية للشهادات العامة إلكترونيا عن بعد، وذلك حفاظا على سلامة الأبناء من الإصابة بالوباء. فالظرف استثنائي طارئ وخطير، ويتطلب التضحية والتجاوز عن بعض الشروط والقواعد والمبادئ الروتينية في الظروف المعتادة. هذا، ومواجهةً للتحدي، فقد تحول التعليم في ظل أجواء كورونا المشحونة بالميكروبات والفيروسات الضارة إلى تعليم وتقييم إلكتروني عن بعد. وفي الختام، فالشكر موصول لكل من واجه هذه الأزمة، ونشط بهمته للتصدي لها من مؤسسات وأفراد وجماعات، وخاصة الأجهزة الأمنية، والصحية والتعليمية، والإعلامية والتجارية وغيرها، وكل وزارات الدولة كل فيما يخصه، وشكر خاص للمتطوعين الذين تجاوز عددهم الـ 35 ألفاً من الشباب والشابات الذين رهنوا أنفسهم وسخروا طاقاتهم وإمكانياتهم لخدمة الوطن والمواطن للتصدي لهذا الوباء، أعاذنا الله منه ورفعه وحفظ البلاد والعباد إنه على كل شيء قدير. د. أحمد جاسم الساعي كلية التربية – جامعة قطر E-Mail: [email protected]