11 سبتمبر 2025
تسجيللابد من الوقوف على الوضع الاقتصادي المصري بعد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي استهدف وضع مصر على خريطة الاستثمار العالمي وإعادة الثقة للمستثمر الأجنبي، وماذا يقول صندوق النقد الدولي ومؤسسات التصنيف الائتماني العالمية؟ حتى لا يظل الاقتصاد بعيدا عن المسار الصحيح، خاصة أن صندوق النقد الدولي قد رسم صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في مصر في عام 2012 واعتبر أن النمو الاقتصادي قد توقف فيها، حتى أن مدير العلاقات الخارجية في صندوق النقد الدولي "جيري رايس" قال إن الوضع الاقتصادي في مصر يبقى صعبا إذا ظل النمو متوقفا، وكانت مصر في ذاك الوقت تتفاوض للحصول على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار يتم صرفه لمصر على مدى ثلاثة أعوام والبنك يضع الشروط والعقبات والعراقيل أمام المفاوضات التي كانت تعتبرها مصر هامة وضرورية لأن نجاح المفوضات يعطي رسالة إلى المجتمع الدولي والمؤسسات المالية والائتمانية بأن الاقتصاد المصري على الطريق الصحيح، ومن ثم عودة الثقة في الاقتصاد وفي المناخ الاستثماري، ولاشك أنها كانت أوقات عصيبة، حتى جاءت الانفراجة مع المؤتمر الاقتصادي في مارس الماضي بشرم الشيخ والإعلان عن ضخ 12.5 مليار دولار من الدول الخليجية، التي دعمت الاحتياطي النقدي للدولة، وغيرت بالتالي تصنيفات المؤسسات المالية الدولية، حيث أعلنت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني، رفع التصنيف طويل الأجل لمصر من B- إلى B بالعملتين المحلية والأجنبية، كما أبقت على نظرة مستقبلية "مستقرة" للاقتصاد المصري، وقد أحدث ذلك تغيرات كبيرة في مواقف الدول الأوروبية المانحة والمقرضة وحتى الدول العربية التي تريد أن ترى خطوات على أرض الواقع لتقديم ما وعدت به، الأمر الذي يستوجب على الإدارة المصرية الشفافية والإفصاح من خلال الإعلان عن الإصلاحات الاقتصادية والتحولات الإيجابية أو السلبية على الأداء وبالبيانات وبالأرقام لأنها هي اللغة الوحيدة القادرة على الفهم والإقناع، والتي يمكن الرجوع إليها والمقارنة بينها للتعرف على الواقع، وهل السياسات الاقتصادية في مصر تسير في الاتجاه الصحيح، وهل تعكس مؤشرات أداء الاقتصاد صورة جيدة تتوافق مع التصنيفات الائتمانية الدولية؟ ولاسيَّما أن غرفة التجارة الأمريكية أعلنت تفاؤلها بمناخ الاستثمار في مصر عن أي وقت مضى، ورغبة رجال الأعمال في زيادة محافظهم الاستثمارية في مصر في ظل الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المتعلقة بقوانين الاستثمار والشركات، التي ستساعد الشركات الأجنبية ومن بينها الأمريكية العاملة في مصر- على توسيع نطاق تواجدها في السوق المصرية، خاصة بعد إشادة صندوق النقد الدولي بالبرنامج الاقتصادي وتأكيده على قدرته في تحقيق أهداف الحكومة في المدى المتوسط، وكذلك تقارير العديد من المؤسسات الدولية مثل "فيتش" و"ستاندر آند بور" و"موديز" التي تؤكد نجاح مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي والسير على نهج سليم وتطبيق أفضل السياسات، وكذلك التأكيد على تضاؤل معدل المخاطر مع التحسن في الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية، ولأن ذلك يعد بمثابة شهادة ثقة في سلامة السياسات الاقتصادية وخطوة حقيقية وأساسية نحو وضع مصر في المكانة التي تليق بها على الخريطة الاقتصادية الدولية، إلا أن ذلك قد يصطدم مع أداء الجهاز الإداري الذي يعد عقبة كؤودا في طريق الاستثمار، لأنه جهاز مشبع بالبيروقراطية والخوف والأيدي المرتعشة التي تهدر مليارات الجنيهات، وتعوق المسيرة وربما تجرها للخلف، نتيجة لتضارب القرارات بين الهيئات والجهات الإدارية وأصحاب الاختصاصات، إلى جانب العديد من التحديات الأخرى المتمثلة في انتشار الفساد الإداري وافتقاد ثقافة العمل ورفض قبول الآخر، وافتقار ثقافة الاستثمار القائم على أسس ومعايير اقتصادية واضحة تهتم بالقطاعات الدافعة للنمو كالصناعات التحويلية والاتصالات والتشييد والبناء والمشروعات التكنولوجية، وتحرص على تهيئة المناخ الاستثماري، ودعم مشاركة القطاع الخاص في تحقيق التنمية لخلق فرص عمل جديدة تساعد على خفض نسب البطالة، وكلها ضد المحاور الرئيسية التي تستهدف انضمام الاقتصاد المصري إلى أكبر 30 اقتصادا عالميا من خلال مصر 2030، رغم أن الاقتصاد المصري يواجه مرحلة صعبة على صعيد التنمية.