17 سبتمبر 2025
تسجيلالشعور بالانتماء أمر يعجز الفرد عن العيش بدونه، والانتماء لا يعني المسايرة أو التطابق المتطرف مع جماعة الفرد أو أقرانه، الانتماء الصحي هو استشعار الفرد وجوده مع جماعة يتوحّد مع أهدافها وتوجهاتها لتحقيق درجة مقبولة ومرضية للتكامل في الحياة.ويصبح الانتماء أكثر فاعلية ونضجا عندما يعي الفرد أنه إضافة للجماعات التي يمثلها وتمثله، يساعد في صياغة أهدافها ويعمل على تنمية وتطوير مفاهيمها من خلال معارفه المستقلة التي تعكس حيوية دوره وأهميتهوبينما يعتبر الشعور بالانتماء حاجة فطرية، تمثل التبعية عيبا مجتمعيا يعاكس التنمية الحياتية والشخصية كذلك. والتبعية هي نوع من المسايرة العمياء التي يمارسها البعض كحيلة دفاعية للتنصل من واجباته ومهامه، وهو مع ذلك لا يشعر بالرضا أو القناعة بما يسلكه من أفعال تتنافى مع تقدير الإنسان لذاته. إن الطبيعة البشرية تفرض على الإنسان الاتصال بالآخرين والاحتياج لهم أحيانا، ومحاكاتهم في بعض الأمور والشخص الناضج يتعامل مع هذه الطبيعية بنوع من التوازن، بحيث لا يتناسى نفسه وتطلّعاته بالانغماس فى اتباع الآخرين ولا يستثني الآخرين من حياته ويتجاهل الحاجة الفطرية لهم. إن الإنسان كما له التزامات داخلية تخصه يخضع كذلك لروابط خارجية تهمه. أزمة البعض أنه يغالي في الروابط الاجتماعية، فينظر لها نظرة مقدسة تفوق حجمها الأصلي، مما يفقده احترام خصوصيته واستقلاليته التي تحقق له مطالبه الخاصة فى الحياة. وهو بذلك يوكل للآخرين مهمة اتخاذ قراراته ووضع أهدافه، ويحذو ما يحذونه دون أدنى تقدير لنفسه أو شعوره بالاستحقاقية. ومما لاشك فيه أن الشخصية التابعة هي شخصية سلبية تميل للانهزامية والكسل وضعف العزيمة وتبني أفكار وسلوكيات لا تنسجم مع مجتمعها وتهوى التقليد دون دراية واعية بمدى مناسبته أو شذوذه عن الخلفية الدينية والثقافية التي تنتمي لها. ولعل انتشار بعض الظواهر الفكرية أو حتى التي تتعلق بالمظهر العام ما هو إلا شكل من أشكال التبعية العمياء التي دفعت البعض لاستنساخ وتنفيذ ما تقره مجتمعات أخرى، دون احترام أو تفهّم للهوية الدينية والحضارية التي تخصه. إن هذه الشريحة من المجتمع تمثل عبئا مجتمعيا وخسارة يعاني المجتمع من تطاولها وتجاوزاتها التي قد لا يسلم منها الآخرون. إن اللهاث وراء المعايير البالية، واعتناقها دون تمحيص وقرار داخلي يفقد الإنسان جزءاً مهما من إنسانيته المتفرّدة التي تمثل أحد أهم مفاتيح النجاح والتقدم في مجالات الحياة المختلفة. إن التبعية ما هي إلا اتكالية فكرية تنتج عن سلوكيات قد لا تنسجم مع معايير الفرد، مما يجعله يعيش حالة من البؤس والتشاؤم والعجز، فيبدأ بتوجيه النقد المتواصل على المجتمع ويرى الناجحين وكأنهم أدوات لفشله وتراجعه، ويعزو إحباطه إلى المجتمع والناس ليحمي نفسه من التأنيب والمحاسبة. وهو بذلك يعجز عن التطوير ويخفق في مواكبة العصر ويجعل نفسه في دائرة من التوتر والغضب وعدم الرضا التي تفقده قيمته الحياتية والمجتمعية. فإحساس الإنسان بنفسه وإيمانه بمبادئه واحترامه لثقافته يدفعه لتحسين نفسه وتحسين المجتمع من حوله. إن شعور الفرد بأهليته الفكرية والسلوكية يقوده للتخطيط السليم الموضوعي بدلا من الانجراف خلف تيارات لا تمثله، وتتعارض مع قوانين وضوابط مجتمعه العقلانية.