17 سبتمبر 2025
تسجيلخلال يومين فقط كنت أنجز قراءة رواية يعقوبيان التي شدتني إلى تلقف الرواية الثانية للكاتب الطبيب علاء الأسواني " شيكاغو " فعشت أجواء الروايتين أحمل في نفسي عشقاً مكثفاً لأدبيات هذا الكاتب الذي أحدث ثورة في عالم الرواية العربية سبقت ثورة الـ 25 من يناير، فقد زف للقراء العرب حروفاً تحتفل بعرس جديد للأدبيات العربية وتغازل أرفف مكتباتهم وفكرهم بالجديد المتميز من حرفية السرد المتقن. فهكذا كان علاء الأسواني عندي وكانت حروفه الجديدة بقعة ضوء بين عتمة تلف الكثير من واقع مجتمعاتنا المأزومة بيوميات وممارسات أفرزتها علاقة الناس بمحيطهم وبقياداتهم. حتى أن بعض قناعاتي حول فكرة التغيير ونتاج الثورة الجديدة في مصر الحبيبة قد تبدلت وأنا أتابع كاتبي المميز بجثته الضخمة بين صفوف المتجمهرين في ميدان الحرير. أما أن يبعثر كاتبنا أوراقه الثمينة التي ننتظر فوق سطورها إبداعاً جديداً بحجم يعقوبيان أو شيكاغو أخرى ويبدأ التطبيل بأنامله المنمقة فوق طاولة الكتابة مغرداً ضمن جملة من استعجلوا الحكم على بلادي " السعودية " مستحضرين قوانين العالم وتشريعاته بطريقة عجيبة ومكثفة فيما يخص إيقاف الناشط المصري أحمد الجيزاوي في مطار جدة محملاً بالممنوعات للدخول بها في رحلة عمرة إلى بيت الله الحرام فتلك هفوة ربما لا تناسب مطلقاً حجم الفكر عند الأسواني ورفاق التطبيل ضدنا مغيبين عنا كل منهجية المدنية وقوانين التشريع وكأننا في غاب كبير حيث رسموا سريعاً أمام المتابع من الجماهير المصرية تلك الصورة المغلوطة عن بلادنا. وهي حالة يستحضرها بعض المثقفين هناك عند كل اختلاف أو أزمة حتى لو كانت فردية مع دول الخليج تحديداً دونما دراية أو تمحيص في بواطن الأمور إنما هو استعجال عاطفي يزيد " الطين بلة " أو يصب زيتاً على النار فيؤلب قلوب الجماهير في بلد تتيح ثقافة شعبها متسعاً لسريان الإشاعة سريعاً بينهم. فكم عانينا هنا في المملكة وبعض دول الخليج من تحشيد الشحن الجماهيري ضدنا من إخوتنا في مصر لمجرد موقف عابر أو حادثة لا ترقى للتأثير في علاقات الشعوب وتعايشها المحتوم بجملة من روابط التاريخ والمصير. عموماً لا أود هنا التذكير بسلسلة الحوادث والمواقف المشابهة سوى إني أعيب على زملاء الفكر والمثقفين تلقف مثل هذه الحوادث للتأطير السلبي بيننا ودق الأسافين في علاقاتنا دون المحاولة للفهم والاستدراك لمجريات الحدث. فرغم البيانات الرسمية السريعة التي أصدرتها سفارة البلدين السعودية ومصر حول قضية الجيزاوي والتي سيعامل خلالها وفق المنظور القانوني الذي يحفظ له كرامته كإنسان وحق الدفاع عن ذاته فيما نسب إليه وأقر به من تهم مخالفة للقوانين. فلن تكون محاكمنا وهي تُحكم شرع الله أقل عدلاً من سواها في بلاد الله سوى أن علاء الأسواني وجملة متعجلي الأحكام والظنون لم يتكلفوا حتى ضمن اطلاعهم الواسع بالتعرف عن قرب على طبيعة أنظمتنا الإجرائية وعموم يوميات مجتمعاتنا ومؤسساتنا، فقط أخذتهم العزة بالصوت حسب مخيلاتهم فرسموا لغيرهم حدوداً تشمل أيضاً مصادرة حتى حقوق السيادة والأعراف. فلو كان ما حدث للجيزاوي في غير مطار جدة أو تحديداً في أحد مطارات أوروبا أو غيرها لربما سُكت عما صار وما تكلفت الخواطر والأنامل في كيل القذع نحوه. فهكذا لغة التذمر لا تستسيغ سوى النيل من الغريب وقد تحمل في طياتها غلطا كبيرا في الفهم المتقدم أو حتى المستساغ لصياغة مستقبل العلاقات أو قد يكون استرجاعا لبقايا حنق غير مبرر تجاهنا عموماً في الخليج وهو ما ننزه عموم شعب مصر منه ومن تبعاته فلا نزال نستشعر حاجتنا إلى مصر العروبة بنيلها وقوتها وثقافتها وعطاء كتابها ومفكريها.