18 سبتمبر 2025
تسجيللقد كانت مغامرة صدام حسين بغزو الكويت كارثة بكل ما تحمل الكلمة من خلال التبعات التي مازالت الأمة تدفع ثمن هذه المواقف الفردية القائمة على الأهواء، وكانت هذه لها تبعات في تمزيق الأمة والإضرار بالاقتصاد وتمكين جهات كثيرة من النفوذ في الأمة وتدويل قضايا كالعراق نفسه، مما أدى إلى غزو العراق نفسه على يد المحافظين الجدد وفق خطة برنارد لويس وتغيير خريطة المنطقة، وللأسف فإن ذلك مكّن قوة إقليمية كإيران أن يصبح لها نفوذ في بلد كان يقاوم أطماعها في المنطقة وتحالف الغرب مع إيران وتم غزو العراق وفق البرنامج الذي ذكرناه في التقسيم الطائفي كنموذج إرادة برنارد لويس للأمة العربية لصالح قوة واستمرار إسرائيل وتفوقها، ومن هنا بدأ حل الجيش العراقي ليتم حصول دولة تقوم على أساس المحاصصة الطائفية، وأن المعارضة العراقية ضد صدام تم اختيار العناصر التي تنفذ هذا البرنامج واستبعاد العناصر التي ستؤدي للوحدة الوطنية لأن العراق كان شعباً لا يعرف العرقية والطائفية، ولكن هذه الأحزاب التي عاشت في إيران وغيره وتم تأهيلها لهذه المهمة عادت لتؤدي هذه المهمة التي يريدها أصحاب المصالح في المنطقة وبدأ العراق يدخل في متاهات دمرت كيان هذه الدولة وتحول العراق إلى كيانات وفئات ذات مبادئ وأفكار تقوم على مسألتين: التطرف هو المنبع والمنهج، والفكرتان هما الطائفية والعرقية وبدأت هذه الفئات تتحدث عن اقتسام النفوذ على هذه الأسس وبدأ العراق يدخل في نفق خطير من حروب ودمار وإرهاب وتصفيات عرقية وطائفية، وضاع العراق التاريخ عراق المنصور والرشيد والبحتري وأبو حنيفة والغزالي وغيرهم إلى عبرات الموت والفقر والدمار وأصيب العراق في عمق كيانه وذاته وأصبح ملايين الأرامل والأطفال الأيتام وأطفال الشوارع وبيع الأطفال وانعدام الكهرباء والمياه الملوثة والمهجرين، ونهب البترول للمغامرات وبيعه في السوق السوداء لحساب عصابات وأفراد، حتى دجلة والفرات الذي تغنى به الشعراء أصبح ملوثاً بالجثث التي تلقى فيه من قتلى الحرب وجعلت الشعب العراقي يحرم حتى من السمك، وأصبح العراق الذي كان مكان الندوات والشعر والأدب والمكتبات إلى عراق الموت والفقر والدمار على يد هؤلاء، وأصبح العراق يدار من قبل الحرس الثوري الإيراني، وقاسم سليماني على وجه الخصوص، ولا يمكن تعيين أحد إلا بموافقة أجهزة الأمن الإيراني، وتحول العراق إلى أداة تنفيذ أعمال في الدول العربية كتدريب الحوثيين، ومجمع لاستقبال الإرهابيين الذين كان النظام السوري يهيئ لهم الدخول وفق خطة لتخصيب الإرهاب في العالم العربي وصنع ضحايا من أبناء الدول العربية اصطادهم أشخاص لا يخافون الله ولا ضمير لهم إلا أهواء وأحقاد وأطماع، وحاولت دول كالمملكة العربية السعودية مساعدة العراقيين بلملمة الفرقة وتضميد الجروح وعودة هذا البلد إلى الصف العربي وفتحت صدرها لكل فئات الشعب العراقي بدون تمييز واستضافت مؤتمراً للمصالحة بمكة واستقبلت قيادات العراق، إلا أن هناك جهات معروفة تدخلت لإحباط وإجهاض هذه المساعي، ولو أن القادة العراقيين استفادوا من هذه العروض والحكمة لتغير وجه العراق، إلا أن المصالح الحزبية والأنانية والتعصب وتقديم المصالح الذاتية على مصالح الأمة وعدم الرحمة بالضعفاء من المواطنين المحرومين من الأمن، والأطفال المحرومين من آبائهم ومن التطعيم والمعرضين للتشوه من الأسلحة الكيماوية. هذا ليس من عندنا وإنما تقارير اليونيسيف والمفوضية السامية للاجئين وبرامج وتقارير الأمم المتحدة التي تتضمن أرقاماً مخيفة مفزعة لا يتناولها الإعلام. وفي الفترة الأخيرة بدأت عمليات التهجير في البصرة وغيرها وجعلها ذات نسيج واحد وفصيل واحد ليتم بعد ذلك ضمها لإيران، بعد استفتاء وفق المخطط التوسعي لملالي إيران، وهذا ما أفصح عنه نائب الرئيس الإيراني بالوحدة مع العراق وما صرح به مرشد الثورة وأحمدي نجاد وغيرهم وحددوا هدفهم بتهجير غير الموالين لإيران عقديا وفكريا وتحقيق الهدف بالهلال الذي أرادوه، ولكن سوريا رئة إيران في المنطقة قد أضرت بمصالح إيران وكشفت أهدافها للشارع العربي وأخرست أبواق إيران الصحفيين والمفكرين والمحسوبين على الإسلام الذين ظلوا أبواقاً لها في الصحافة ويترددون عليها لطلب دراهم معدودات وليحصلوا على الفنادق والهدايا، فوجئ هؤلاء بأن حزب الله وإيران تدخلوا لقمع الشعب السوري ونزلوا بكل قواهم ودفعوا المليارات لهذا الغرض، وفجأة تحول العراق الذي كان يتهم سوريا بتصدير الإرهاب إلى حليف، ويجب الدفاع عنه وتمويله بالخبراء والأموال ودعمه بكل الوسائل وتبين للسذج أن ذلك كان سابقاً ذراً للرماد في العيون لصرف أنظار الآخرين عن مخطط لفئات باطنية تظهر غير ما تبطن وتعمل بأسلوب ولغة مزدوجة دقيقة السرية قائمة على الخداع. وقد صدم هؤلاء بالمواقف العربية الشجاعة وفوجئوا بالمواقف الخليجية والعربية مع الشعب السوري، فخرج هؤلاء عن أطوارهم وبدأ المالكي ومن معه يشتم ويسب الدول العربية وتركيا بأسلوب خرج عن اللياقة والعرف الدبلوماسي وتعاملات الدول، وأصبح يهدد يتوعد ويتصرف بطريقة استفزازية، ولكنه فوجئ بأن الناس لم يردوا عليه ولم يولوه اهتماماً كما قال رجب طيب أردوغان إن الرد على هذا الرجل سيحقق له ما أراد فكان سفره لطهران لينفس عن كمده وفشله ليقدم تهديداً عن طريق القادة الإيرانيين بالوحدة، وأن العراق بعد خروج أمريكا وانسحابها قوي بإيران وأن هناك فكرة وحدة عراقية-إيرانية وأن بغداد ستكون الجمهورية الإسلامية القادمة بعد إيران، وكذلك الحديث عن التقسيم ثم بدأت في نفس التوقيت تصريحات بيع النفط لدول كإسرائيل وتهريب النفط لإيران التي تنفذ مغامراتها في اليمن والصومال وإفريقيا ولبنان وغيرها بنفط العراق، ولو تحدث أحد عن ذلك سابقاً لاتهمه الآخرون بالمبالغة والتجني، ولكن الله أراد أن يفضحهم بألسنة عراقية من داخل أجهزة الحكم. إن القضية لم تعد احتواء المشكلة ومد يد أو فتح علاقات رغم مبادرات عربية والموافقة على عقد القمة ببغداد لعل ذلك يعيد هؤلاء لجادة الصواب، وإنما القضية أن هؤلاء ينفذون أجندة، وقد قرروا أن يسجنوا أنفسهم في دائرة ضيقة جداً وهي الطائفية والعرقية ولم يعرفوا ما يجري لهم. إن العالم تغير وتجاوز هذه المسألة والمرحلة إلى مرحلة التوحد في كيانات، ولو أخذوا بالمبادرة فإن ذلك كان سيساعد البلاد للخروج من النفق المظلم، وسيعيد العراق لدوره لأن العراق لا يمكن أن تحل أموره بتهميش طائفة وإغفال دورها وإخراجها من الدور السياسي وصناعة القرار، فهذا لا يمكن وحتى الأخير تم إبعاد حتى العناصر المعتدلة تمهيداً للوصول إلى التقسيم، وإذا لا سمح الله تحقق ذلك فإن إيران لن تعطي هؤلاء أي دور بل سيندمون ويبكون دماً لأنهم حينها سيكونون مجرد موظفين عند الحرس الثوري وليسوا مستقلين، فمتى يستيقظ العقلاء في العراق ويدعون لمؤتمر وفاق ويمدون يدهم بصدق للأشقاء الذين ليس لهم أطماع وسيجدون الأبواب مفتوحة من اخوتهم الذين يريدون خروج العراق من النفق المظلم والتئام جرحه.