15 سبتمبر 2025
تسجيلتبرز أهمية التنوع والتبادل الثقافي من خِلال التفاعل مع أشخاص من ثقافات مُختلفة، مع تقبل قيمهم وعدم فرض القيم التي لا تتفق مع قيمهم، والاستماع جيدًا لهم، وتقبُّل أفكارهم وآرائهم، مما سيقدم مساهمة إيجابية للمُجتمع؛ وبذلك التنوع الثقافي يجعل الشُعوب أقوى، كما يعطيها الطاقة والحيوية من أجل البقاء والاستمرار على المدى البعيد بأن ثراء الثقافات هو الطاقة التي تُرَسِّخ الإنسانية، وهو مكسب كبير في السعي لتحقيق السلام والتنمية، فتعزيزه جُزء لا يتجزأ من تعزيز احترام حُقوق الإنسان، وإن الاحتفال بالتنوع الثقافي هو أيضاً الوعي بالأواصر التي تربطنا ببيئتنا، إذ أن التنوع الثقافي ضروري للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي للطبيعة، كما هو منصوص عليه بوضوح في إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي الذي اعتمد في عام 2001م. ولو خلق الله الناس على حال واحدة وصورة واحدة لأختلّ نظام الحياة والعلاقات فيما بينهم، فهم كالداخلين في مُعسكر واحد وإلى مدرسة واحدة، فإذا كانوا على صورة واحدة وعلى حال واحدة من القُدرات والإمكانات يختل نِظام المُعسكر، فلا يُعرف الأعلى رُتبة من هو دونه رُتبةً، ولمَاذا يكون هذا جُنديّاً وذاك ضابطاً وقائداً له؟ ولِمَاذا يكون هذا طالباً في المدرسة وذاك أستاذاً له؟ ولماذا يكون في الأصل الذكر والأنثى؟ وهكذا تتعدّد الأسئلة عن الاختلاف والتنوّع بين أفراد الإنسان، ومؤداها إبطال كل الفُروقات فيما بينهم وإلغاء الحوافِز لهم للتغيير والنجاح، وإذا أُلغيت الفوارِق، وبطُلت الحوافز بطل السعي إلى العمل، وتجمّدت الحياة وتعطّلت. وهذا إن كشف عن شيء فهو يكشف عن ضرورة التنوّع والتّعدّد في الخلق، فهناك نصوص دينية واضحة عن أهمية التنوع والاختلاف فيما خلقه الله كما ورد في القرآن الكريم، فيقول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ). سورة الروم آية (22). إن الله تعالى خلقهم مُختلفين لِحكمة وغاية عظيمة، وهي تلاحُم النّاس والارتباط والتّكامل فيما بينهم، لكن ما حقيقة الاختلاف بين البشر؟. تتضمن حقيقة الاختلاف بين البشر في اختلافهم بمجالات الحياة ونواحيها، فتتعدّد الآراء ووجهات النّظر، وتكثُر الأقوال والحِوارات والمُناقشات، وبِذلك تتفتح على البشر آفاقٌ جديدةٌ في المجالات جميعُها، فالنّاس مختلفون بالفِطرة لكلٍّ دِينه ومُعتقداته ووجهات نظره الخاصّة، ورأيه المُنفرد به، وكثيراً ما كان يسعى الإنسان لتوحيد البشر وجمعُهم على قلبٍ واحدٍ ويدٍ واحدة، ليبنوا الأرض بسلامٍ، ولتحقيق التّكافل والتّكامل والارتباط فيما بينهم والله أعلم. فإذا بنينا المُجتمع المدني على التعارُف ضاق الخِلاف السياسي، بل إنَّ التعارُف أصْبَح ضرورةً مُلحَّة في البيت الإنساني؛ لأنَّ الإنسانية أصبحتْ أمَّة واحدة بِفضل الفضائيات، ووسائل التواصل الاجتماعي، والشبكة العالمية، وسُهولة السفر والتنقل، والشراك في السُوق والمنافع المالية والاقتصادية والمعرفية. من فوائد تبادل الثقافات هي المَعرِفَة حيث الإدراك والوعي وفهم الحقائق عن طريق العقل المُجرد، أو بطريقة اكتساب المعلومات من خِلال التأمل في طبيعة الأشياء وتأمل النفس، أو من خِلال الاطلاع على تجارب الآخرين وقراءة استنتاجاتهم؛ فالمعرفة مُرتبطة بالبديهة والبحث لاكتشاف المجهول، وتطوير الذات والتقنيات، فهي شكل من أشكال الثقافة، فيعتبر الفهم الإنساني هو المُحرك الأساسي لهذه المَعرِفَة، والمسؤول عن نقلها عبر الشُعوب على امتداد التاريخ الذي يؤرخه الإنسان نفسه، فتتناقل المَعرِفَة بين ثقافات الشُعوب عبر الزمان والمكان لتستقر في أروقة الكُتب، تُعتبر المُعرِفَة بعد استقرارها سبباً في بناء المُجتمع الذي تستقر في مساحاته، وعليه فهي المُنظم لهذا الشعب، أو الوجود الإنساني وتوجيهه والتعبير عنه. تنتقل المَعرِفَة بين ثقافات العالم عن طريق علم واحد يُسمى علم الترجمة، فهي عمليَّة نقل خطاب شفوي أو تحريري من لغةِ المَصْدرِ إلى لغةِ الهدف، ويحوي هذا الخِطاب معنى وأفكارًا ومعلومات، ورسالةً وقَصْدَ كاتبِ النص. فالترجمة بدورها هنا هي الوسيلة لربما الوحيدة التي لها الدور الفعال في نقل المعرفة عبر الثقافات. حيث تعتبر اللغة هي الأداة والوسيلة والضامن لإحداث التواصل والتفاعل بين ناطقَين بلغتَين مختلفتين، يبحثان عن التواصل بينهما. حيثُ يقوم هذا العلم القوي بوضع ثقافة شعب بين يديّ شعب آخر، وتُعتبر الترجمة ثاني أقدم مِهنة بعد التأليف في حياة الإنسان، وتقع أهميتها في كونها تنقُل وتُحول كلمات من لغة مُعينة الى كلمات لغة أخرى تختلف عنها في النطق والكتابة والتشكيل. تُعد الترجمة سُلوكاً أكثر منها تعريفاً لنشاط إنساني، وهذا السلوك قد لا يُعالج التنوع الهائل، والتعقيد الضخم لعملية التحويل ذاتها، حيث تُعد الترجمة تَبادلا شفويا، وكتابيا في آنٍ واحد، وفی هذا الصدد لا ننسی الدور البارز، والأساسي لحضرة صاحب السمو الشیخ" تمیم بن حمد آل ثاني" أمیر البلاد المفدى" (حفظه الله) والجهد المُضْنِي الذي بذله، ويبذله سموه بتَفانٍ وإخلاص من أجل إرساء قواعد نهضة حقيقية للبِلاد، تنبعث من الإنسان الواعي المُثقف الذي يتخذ من العلم، والإيمان، والثقافة رَکیزة ودعامة أساسية له، فتلك الرؤية العميقة لصاحب السمو من أجل التطور والنُهوض بالإنسان القطري، كانت دائماً هي الهاجس الأول لجعل لبلاده مکاناً، ومکانةٍ عالیةً بین الأمم. [email protected]