04 أكتوبر 2025
تسجيللا تطور دون تغير، وبينما الجميع يحث على التطور يصدم عند الحاجة للتغير، بين الحرس القديم في أي مؤسسة والأجيال القادمة لدخول المؤسسات، يحدث الاحتكاك بين الجديد والجريء والتقليدي والروتيني، المعرفة والخبرة مرهونتان بفترات الخدمة، التي تعتمد الإجراءات ومفاهيم السابق، القادمون الجدد يرون الحاجة للتغير والتجديد والتطوير، وهذا يمكنهم من المشاركة في سير المؤسسات والشركات، لكن هذا التجديد والتطوير يعني في نظر حرس المؤسسة فقدان القدرة على التحكم ومخاطر لا داعي لها قد تعرض المؤسسة أو الشركة لأخطار لا تحمد عقباها. تدور رحى هذه الجدلية كل يوم في كل نقطة التقاء بين بحر القادمين وبحر القائمين على العمل، وقدرة قادة تلك الوحدات على إدارة المناوشات الطبيعية بين طلب القائمين على إثبات جدوى البدع الجديدة ومدى فائدة المردود ودوافع إحلال إجراءات جديدة محل الإجراءات التقليدية، وبين طلب من هم خلف التجديد، الإثبات يأتي بعد التطبيق، تعاود عجلة التغير حركتها وتعاود المجتمعات والمؤسسات مراوحتها بين التمسك بالتقليد والروتين وقبول الجديد وحث الخطى في سبيل تحسين أداء العمل وترقية أساليب التعاطي مع المتغيرات. يفضل بعض البشر والمؤسسات والمجتمعات عدم خوض تلك التجارب، التي قد تكون مكلفة والركون لترك المؤسسات الأخرى لخوضها وانتظار النتائج، ومن ثم الشروع في إدخال تلك التغيرات انتقائياً، لكن فقدت تلك المجتمعات التجربة والممارسة وما يصاحبها من ثقة ومعرفة ومهارات، لقد كسبت المجتمعات والمؤسسات صفة الرائد وصاحب المعرفة، وترجع المجتمعات المستقرة إلى عدم المجازفة وعدم الخوض في التجارب في الاستعانة بتلك المؤسسات والمجتمعات التي خاضت التجربة لتصبح عبئاً، لا بديل عن اختراق المجهول ومعايشة التجربة، وهذا يعني قبول الخارجين عن التقليد ومسببي عدم الاستقرار واحتضان الأفراد والمؤسسات التي لا تستكين للواقع بدل محاصرتهم وتجريدهم من قدرتهم على إدخال التغير، أصحاب المسؤولية ممن يملكون الصفات القيادية يعلمون أن الأفراد مسببي التغير هم جزء أساسي من المشهد العام للمجتمع وللقطاعات الاقتصادية ولمجتمع الأعمال، فهم وقود أداة التغير المتسبب الأول للتطوير، فلا تغير في الثبات ولا تطوير ولا خير في مجموعات يقودها الخوف والخوف من التغير. عدم الانسجام قد يكون مؤشر حسن في المجتمعات ومجتمع الأعمال، فلن يحدث التطوير دون السماح بقدر كبير من عدم الاستقرار، والبحث الدائم عن الاستقرار يعني رفض التغير وإيقاف عجلة التطور، الإحساس المصاحب للتغير من فقدان للسلطة وفقدان للتحكم قد يكون مبالغاً فيه لحماية أصحاب المكتسبات الذين لا يملكون المهارات ولا الإرادة للتغير، وليس لديهم الاستعداد للدخول في رحلة تغيير قد يلامون عليها، فالأفضل المحافظة على الوضع القائم لتحقيق الأمان، واستقرار الأوضاع منهج قليل التكاليف سهل الإدارة يدفع للاطمئنان والإحساس أن كل شيء بخير ولا داعي لمساعٍ جديدة وأفكار جديدة وابتكار طرق مختلفة عما يتم اتباعه. سيظل هذا الجدل وحدود التقدم والثبات قائمة مدى وقدرة المجتمعات على تغليب جانب على جانب هي ما ستحدد من المجتمعات والشركات رائد ومن منها مقلد، ويظل إحساس فقدان القدرة على التحكم ساكناً فينا ما دام التغير أساسياً للتطوير وليس هناك مكسب بدون تكلفة، هذه الجدلية بين الحاضر والماضي والمستقبل المحتمل جدلية أزلية فك شفرتها ما يمكن مجتمعاً من التقدم على مجتمع وشركة على شركة كما رأينا من كوداك إلى نوكيا إلى سامسونج وهواوي، إدارة تلك الحالة من عدم اليقين أساسية لتغلبنا على الهواجس بداخلنا من خوف من التغير، معطلين بذلك من إيقاع التطوير، وهذا يقع في المدرسة والجامعة والأسرة والمؤسسة والمجتمع، قد نكون اليوم مهيئين لتجاوز مخاوف تلك الحالة أفضل من أي فترة زمنية سابقة، فالتغير للأحسن أمامنا كل يوم في الشوارع السريعة والمدن الذكية وقطار الأنفاق والأبراج بتعرجاتها وتصاميمها لتكسر ما هو مكرس عن التعمير وعن المعتاد والأحداث الرياضية وغيرها، كلها تمهد لمجتمع متسامح مع ماضيه ولا يرفض احتمالات مستقبلية.