11 سبتمبر 2025

تسجيل

لذة الحوار مع البسطاء! 

29 مارس 2018

التعرف على مكنونات المرء عند الحديث معه لذة جديدة، ومتعة حقيقية، تجعلنا نفهم الحياة وننظر لها بطريقة أخرى وبعين أخرى غير السابقة، حيث إن كثيراً من الملوك وأصحاب الشأن من العظماء يحرصون على محادثة البسطاء العقلاء والبحث عنهم، والاستفادة منهم بالرغم من إسقاط أسمائهم في بعض كتب التاريخ كمؤثرين وحكماء في عصورهم.  ويحكى أنه سمع الخليفة هارون الرشيد برجل صالح اسمه ابن السماك فطلبه، دخل ابن السماك مجلس الخليفة، وقد طلب الخليفة الماء ليشرب، فجلس ابن السماك، فقال الرشيد: عظني يا ابن السماك، وقد أمسك الخليفة بالكأس، فقال له: لو منعت يا أمير المؤمنين هذه الشربة بكم تشتريها؟ أطرق الخليفة مفكراً للحظات، ثم رفع رأسه وقال: بنصف ملكي! فقال ابن السماك على الفور: فإن منعت خروجها بكم كنت تشتريها؟ سكت قليلا ثم أجاب بصوت خافت، كأنه يحدث نفسه: بنصف ملكي الآخر! قال ابن السماك: إن ملكا قيمته شربة ماء لجدير ألا ينافس فيه، فبكى الرشيد من شدت تأثره بالعبارة البسيطة ذات المعاني العظيمة والتي تهدف إلى المدح والثناء فربما لو مدحه بطريقة عادية ومثال عادي لما أثر فيه.  مثل كبير السن الذي ربما تقابله في محطة ما، أو الغريب الذي تلتقي به خارجا من أحد المساجد الصغيرة، أو صاحب الدكان في الأزقة الضيقة، أو المزارع القنوع، أو البائع المتجول أو غيرهم، ينطقون أحيانا بكلام من ضروب الحكمة، فتتغير على أثره حياتك، وكأنها كتبت بماء الذهب، فيمتلئ سمعك إجلالا وإكباراً له، وتأخذ الحكمة منهم لأنهم كابدوا الحياة وخاضوا عراك الأيام بفقرهم ولم يغرهم زهو منصب، ولا ذيوع صيت، ولا عظيم جاه، فهم فعلا صيد عظيم لمن لديه نظر دقيق واستقراء لبعض الدلائل، لأن هؤلاء البسطاء يمتلكون نظرة وعبرة وقدرة على إصدار حكم ناتج عن خبرة، بعبارات وجيزة خالية من التعقيد مملوءة بالحكمة. فقد قيل: اقترب رجل ذات مرة من أحد أولئك البسطاء الذين يتوسم فيهم العقل وهو كبير بالسن، فقال له: أتسمح لي بسؤال؟ قال: عن ماذا؟ قال: أخبرني عن بعض الدروس التي تعلمتها من الحياة؟ سكت قليلا ثم قال: نعم.. تعلمت أنني قد أسبب جروحاً عميقة لمن أحب في بضع دقائق فقط، لكن قد أحتاج لعلاجها سنوات طويلة! وتعلمت أن الأغنى ليس الذي يملك أكثر، بل الذي يحتاج أقل!. خاطرة محادثة البسطاء من الناس، والقدرة على استخراج خبرة تجاربهم بحوارات بسيطة وتبادل أطراف الحديث من شأنه التأثير على حياتنا وربما إحداث نقطة تحول، فهم كالكنز الخفي الذي طالما بحثنا عنه ولا يستدل عليه إلا من فطن! .