17 سبتمبر 2025

تسجيل

"الأم" ودورها المتغيّر في المجتمعات العربية

29 مارس 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); شهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية احتفال بعض الشعوب العربية بيوم الأم، فازدحمت هذه المواقع بنشر صور أمهات تذيّلها عبارات التودد والامتنان التي يكيلها كل شخص لوالدته، فيشرح لأصدقائه ومتابعيه وعموم الكائنات على وجه البسيطة التضحيات الجسام التي بذلتها والدته من أجله في تربيته ورعايته وتنشئته.بعيداً عن الجدل الذي يتكرر كل عام حول مشروعية الاحتفال بيوم الأم أو حرمتها، وبعيداً عن النرجسية الجوفاء التي صنعتها وسائل التواصل الاجتماعي في نفوس كثيرين، فباتوا يعتقدون أن الآخرين يعبأون بصورهم وأفكارهم وتحركاتهم، فتجدهم ينشرون أموراً لا قيمة لها بالنسبة للآخرين. وبعيداً كذلك عن الآفة المقززة التي اتخمت بها وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، بحرص الكثيرين على نشر معلومات خاصة بهم، يفترض أنها تتعلق بحياتهم العائلية. بعيداً عن كل ذلك، أود التوقف عند استشراف المستقبل حول الاحتفال بيوم الأم على فرض إباحته. فحسب الوضع القائم، من المرجح أن يأخذ الاحتفال–بالنسبة لمن يحتفلون به- بعد سنوات أشكالاً مختلفة لناحية الشكل والمضمون. وهو اختلاف سيكون منطقياً لأنه منسجم مع التغيير الذي أحاط بدور الأم في الأسرة والمهام التي مازالت موكلة إليها، ومقدار الجهد الذي تقدمه لرعاية أبنائها وزوجها ومنزلها. ففي ظل الانتشار الكبير لاستخدام العاملات الأجنبيات (الخدم) في المنازل، سواء كانت المرأة عاملة أو غير عاملة، وسواء كانت المرأة بحاجة لمن يعينها في الاهتمام بالمنزل أو ليست بحاجة، بدأ دور "الأم" المتعارف عليه بالانحسار، في مقابل دور مستجد لعاملة أجنبية تركت عائلتها وأطفالها وزوجها لتعتني بعائلة ومنزل لا تربطها بهم سوى المبلغ المالي الذي تناله منهم نهاية كل شهر.هذا التغيّر في دور الأم بات يستدعي إعادة تشكيل الذاكرة الذهنية للأم الراسخة في العقول، وإعادة تركيب صورة جديدة تنسجم مع الجهد الفعلي الذي تقوم به. على سبيل المثال، إذا طلبت من طفل أن يصف الأم، تجده يسارع بسرد صور نمطية ثابتة في ذهنه، كأن يتحدث عن سهر الأم إلى جانب ابنها حين ينام، وعنايتها به حين يمرض، وتحضير السندوتشات له قبل ذهابه للمدرسة، ومساعدته في أداء واجباته المدرسية. في حين أن جميع هذه الوقائع لم يعد لها وجود على أرض الواقع في الكثير من المنازل، بعدما تخلت الأم عن دورها الذي فطرها الله عليه بالعناية بمنزلها وأبنائها، وأسقطت من الطائرة إنساناً أجنبياً دخيلاً حل مكانها، في حين أنها تفرّغت للقيام بأدوار أخرى لم يطلبها منها أحد، وابتكرت لنفسها مهاما مصطنعة، سواء بالعمل خارج المنزل، أو كانت غير عاملة لكنها بررت الاستعانة بالعاملة الأجنبية لعجزها عن الاهتمام بالمنزل بمفردها. ربما المهمة الوحيدة التي مازالت الأم تقوم بها ولم تنجح –حتى الآن- في التخلي عنها ورميها على العاملة الأجنبية هي الحمل والإنجاب. ولعلّ استمرار الكثير من الأمهات بأداء هذه المهمة لا يعود لقناعتهن بهذا الدور، بل لتعذر توكيله لشخص آخر يقوم به. جميع من شهدنا احتفاءهم بأمهاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية وثّقوا كلامهم بتعداد التضحيات الجسام التي بذلتها أمهاتهم من أجلهم. لكن في ظل توسّع رقعة الاستعانة بالعاملات الأجنبيات في المنازل لحاجة أو دون حاجة، وتسرّبها إلى الأسر متوسطة الحال وربما الفقيرة بعدما كانت مقتصرة على الأسر الميسورة، فإن ذلك سيجعل الراغبين بالاحتفاء بأمهاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات المقبلة في مأزق محرج. فهم لن يجدوا ما يتحدثون به عن أمهاتهم، طالما أن العاملة الأجنبية هي التي تبذل وتضحي وتسهر وتعتني وتطعم وتغسل. ربما يكون الخيار بالنسبة لهؤلاء إما الاستمرار في الاحتفاء بأمهاتهم بالصورة النمطية المعتادة التي رسخت في أذهانهم لكن من خلال تعداد مواصفات كاذبة، وإما سيكونون مضطرين لاستبدال الاحتفاء بأمهاتهم بالاحتفاء بالعاملة الأجنبية.كل ما سبق لا يعني انتقاد الاستعانة بالعاملة الأجنبية بالمطلق. ففي الكثير من المنازل يكون وجود العاملة الأجنبية ضرورة وحاجة لا غنى عنها، خاصة إذا كانت المرأة عاملة خارج المنزل بسبب حاجة الأسرة لمدخول إضافي يعين الزوج على إعالة المنزل، أو أن أحد أفراد الأسرة يحتاج عناية خاصة، لا تستطيع الأم بمفردها تقديمها، أو حتى لأن المنزل كبير والأولاد كثر.. المشكلة تكمن حين تصبح الاستعانة بالعاملة الأجنبية دون ضرورة ولا لحاجة، بل فقط لأنها "موضة"، وباب من أبواب التفاخر أمام الآخرين.