12 سبتمبر 2025

تسجيل

مغزى هزيمة اليسار وفوز اليمين المتطرف في فرنسا

29 مارس 2014

حقق اليمين المتطرف الفرنسي اختراقاً لافتاً في الدورة الأولى من الانتخابات البلدية التي جرت يوم الأحد 23 مارس الجاري، بينما تلقى اليسار الحاكم صفعة أتاحت لليمين الفرنسي، متمثلاً بحزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، المتحالف مع أحزاب الوسط، أن يحصد النسبة الأكبر من الأصوات في هذه الجولة الأولى (46.54 في المئة)، في مقابل (37.75 لمصلحة الحزب الاشتراكي وحلفائه). وحقق اليمين المتطرف المتمثل بـ"الجبهة الوطنية" بزعامة مارين لوبان، انتصاراً كبيراً قارب الخمسة في المئة (4.65 في المئة)، إذ حقق مرشح "الجبهة الوطنية" ستيف بريوا فوزاً من الجولة الأولى في مدينة هينان بومون في شمال فرنسا، المحسوبة على اليسار، والتي يزيد عدد سكانها على عشرة آلاف نسمة. كذلك، تصدرت "الجبهة الوطنية" نتائج الدورة الأولى في 17 مدينة، وستخوض الدورة الثانية في 229 مدينة وبلدة يزيد تعداد كل منها على أكثر من 10000 نسمة. إضافة إلى ذلك، ستمنح النسب العالية التي حققتها "الجبهة الوطنية" في بعض البلدات فرصاً كبيرة للفوز في الجولة الثانية في بعض المدن المهمة، ما سيشكل حدثاً غير مسبوق منذ العام 1995. واستفادت "الجبهة الوطنية" (يمين متطرف) من مقاطعة قياسية ومن عواقب القضايا والفضائح التي هزت الطبقة السياسية في الأسابيع الأخيرة، مثل تضخيم فواتير في "التجمع من أجل حركة شعبية"، أكبر أحزاب اليمين، وتسجيلات سرية لاتصالات مستشار للرئيس السابق نيكولا ساركوزي وتنصت قضائي على اتصالات ساركوزي. ويجمع المحللون الفرنسيون أن نتائج الدورة الأولى كانت بمنزلة عقوبة لليسار في ظل تراجع التأييد للسلطة التنفيذية إلى أدنى مستوياته في استطلاعات الرأي، فيما يبقى فرنسوا هولاند بعد سنتين من وصوله إلى قصر الاليزيه الرئيس الأقل شعبية في الجمهورية الخامسة. وفضلاً عن ذلك، هناك ثلاثة أسباب رئيسية قادت إلى هذه الهزيمة المدوية للاشتراكيين الفرنسيين في فرنسا. أولاً: لم يستطع الاشتراكيون الفرنسيون الذين وصلوا إلى السلطة في عام 2012 أن يحققوا الانتظارات للشعب الفرنسي، وبقدر ما يبتعد الاشتراكيون، وعلى رأسهم الرئيس فرانسوا هولاند، عن الآمال التي علقت عليهم في الانتخابات الرئاسية لعام 2012، وبقدر ما يزداد الإحباط وخيبات الأمل انغراساً في نفوس الناخبين.إنها الآلية نفسها التي قادت إلى هزيمة اليمين في الانتخابات البلدية التي جرت عام 1977، ثم إلى هزيمة اليسار في الانتخابات البلدية عام 1983، ومن جديد جاءت هزيمة اليمين مدوية في عام 2008، رغم أن الانتخابات البلدية جاءت في أقل من سنة من فوز الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية لعام 2007. ثانيا: عدم شعبية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. وكلما تزداد شعبية السلطة التنفيذية في الهبوط، يتجه المتذمرون والساخطون على سياسة الاشتراكيين إلى الارتماء في أحضان المعارضات اليمينية واليمينية المتطرفة. ففي الانتخابات البلدية التي جرت في مارس عام 1983، كانت شعبية الرئيس الراحل فرانسوا ميتران لا تزال قوية 48 في المئة، وحين جرت الانتخابات البلدية في مارس 2008، كانت شعبية الرئيس نيكولا ساركوزي في هبوط 37 في المئة، بينما نجد شعبية الرئيس الاشتراكي الحالي فرانسوا هولاند عشية الانتخابات البلدية في أدنى درجات السلم. فقد تراجعت نسبة الثقة بهولاند 17 في المئة في استطلاعات الرأي، بينما نجد 80 في المئة لديهم رأي مغاير تماماً. ولخصت صحيفة "لوباريزيان" الشعبية دروس الجولة الأولى وعنونت بعبارة "معاقب" أرفقتها بصورة الرئيس، كما أشارت عدة صحف محلية إلى "اقتراع عقابي". وكتبت صحيفة "وست فرانس" أنه إذا كان الناخبون ينتقمون عادة من السلطة الحاكمة في الانتخابات المرحلية "من النادر أن يفعلوا ذلك بمثل هذه النسبة". ثالثاً: إن هذه الانتخابات ليست "بلدية فقط"، بل هي بمنزلة "اقتراع عام" كان للبطالة والشعور بعدم الأمان والفقر ومسألة التنصت وغيرها دور بارز فيها، إنها "اقتراع تأديبي". الحزب الاشتراكي ظهره إلى الحائط الآن، في انتظار نتائج الدورة الثانية يوم الأحد المقبل. ففي سلم ريختر للكوارث الانتخابية يتوقع الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند في أدنى درجات السلم. فأن يخسر اليسار بعض الواقع، وأن يستفيد اليمين من ذلك، وأن يترسخ اليمين المتطرف في بعض المدن، كل هذا كان متوقعاً، لكن ما لم يكن متوقعا، هو أن يتضاعف هذا التسلسل بنسبة قوية تصل إلى ثلاثة أضعاف. بالنسبة للطبقة السياسية الحاكمة، تعتبر هذه الهزيمة إستراتيجية، إذ قال رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) كلود بارتولون: في كل مكان من فرنسا الشباب هجرنا، والطبقات الشعبية تحولت باتجاهات أخرى، والطبقات الوسطى تجنبتنا، والضواحي والأرياف صمتت. يجب أن نتعلم كيف نسمع الصمت. أو حين قال رئيس بلدية باريس المنتهية ولايته برتراندديلانويه: إذا لم نستمع إلى خطاب الأمس، فإننا نكون غير عاقلين. مضيفاً: على الحكومة أن تحقق تقدماً. ويرى العديد من المعلقين أنه بتحقيقها نتائج أهم مما كان متوقعا فإن الجبهة الوطنية فرضت نفسها "كثالث قوة سياسية في البلاد" وبددت نظام القطبين، اليمين واليسار، بينما عنونت صحيفة ليبيراسيون يوم الثلاثاء 25 مارس الجاري "خوف على المدن" معبرة عن المخاوف من تقدم الجبهة الوطنية التي بإمكانها فرض نزالات ثلاثية في الجولة الثانية في نحو مئة مدينة، حيث يستطيع مرشحوها الاستمرار في السباق.وأعلنت مارين لوبن زعيمة "الجبهة الوطنية": "لم نكن نأمل ذلك"، واصفة النتائج بأنها "تتخطى التوقعات"، وتعلن "نهاية الثنائية القطبية في الحياة السياسية الفرنسية". تؤكد نتائج الدورة الأولى من الانتخابات البلدية الفرنسية النهضة الثانية لـ"الجبهة الوطنية" ممثلة اليمين الفرنسي المتطرف، الذي تشكل في بداية عقد التسعينيات على يد الزعيم برونو ميغرات، إذ سعى هذا الأخير إلى إعطاء البعد المحترف للحزب، وغرسه محلياً. ولم يجد المساعدة في ذلك الوقت من الزعيم المؤسس "للجبهة الوطنية" جان ماري لوبان، على عكس ابنته الحالية مارين لوبين، التي أخذت على عاتقها تمثيل نهج برونو ميغرات والسير على خطاه، لجهة تشكيل شبكة من الناخبين المحليين، والذين من دونهم ما كان لها أن تصل إلى السلطة. لقد ركز مرشحو "الجبهة الوطنية" على القضايا المحلية في المدن والبلدات التي يتواجدون فيها، التشغيل ومواجهة البطالة، الاستثمار المحلي وتنمية التجارة، ولم يرتكبوا الأخطاء التي وقعوا فيها في عام 1995، حين ركزوا على قضايا الهجرة والمهاجرين. وتريد "الجبهة الوطنية" أن تتحرر من النزعة الأيديولوجية، وأن تقدم مرشحيها كقادة أكفاء يديرون بشكل جيد أمور البلديات، لكي يراكموا الخبرات، ويعززوا القاعدة الشعبية "للجبهة"، تمهيداً للانتخابات التشريعية المقبلة، التي ستخاض على صعيد وطني. وفي ظل هذا الانتصار الذي حققته "الجبهة الوطنية" في الدورة الأولى من الانتخابات البلدية، والذي احتل صدارة عناوين الصحف الفرنسية، حيث وصفت صحيفة "لوموند" انتصار اليمين المتطرف بـ"الزلزال السياسي"، ناعية "الثنائية السياسية"، تسعى زعيمة الجبهة مارين لوبان إلى تحقيق الانتصارات المتتالية، إذ تتجه عينها إلى الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي معتمدة على الأزمة الاقتصادية والنظرة الفرنسية السلبية للاتحاد. في ضوء الهزيمة المدوية لليسار الفرنسي أصبح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مطالباً بأن يتمعن جيدا في الرسالة التي تلقاها من الناخبين الفرنسيين، إذا أراد أن يتجنب هزيمة ثانية أكثر كارثية يوم الأحد المقبل 30 مارس الجاري، لاسيَّما أن الموعد المقبل سيكون يوم 25 مايو، تاريخ إجراء الانتخابات للبرلمان الأوروبي، فهل سيعيش فرانسوا هولاند ربيعاً ساخناً؟