15 سبتمبر 2025

تسجيل

الحرائق المتنقلة في لبنان

29 مارس 2014

نحتاج إلى وقفة متأنية لمعرفة خارطة الحرائق المتنقلة في المناطق اللبنانية، وتوقيت وملابسات اشتعالها، وكيفية انتقالها من مكان إلى آخر.. فهي لا تكاد تخمد في منطقة حتى تشتعل في أخرى، بالأمس كانت في بيروت، وقبلها في طرابلس، وقوس الحريق أصبح محدد المعالم وربما بالإمكان التنبؤ به قبل حدوثه وفي أي مكان سيقع.منذ اندلاع الأزمة السورية، كان جوقة المتحدثين على الفضائيات اللبنانية ممن يحسبون على خط ومحور إقليمي معروف، يخوفون اللبنانيين أن الاشتعال لن يقف عند الحدود السياسية للجغرافيا السورية، بل سيطال دول المنطقة ولبنان والأردن في القلب منها.. تحذيرات كانت تقابل باستهتار واضح من قبل بعض اللبنانيين في الوقت الذي كان الجميع يدعو الحراك الثوري في سوريا للمحافظة على سلميته في الحشود والاعتصامات. يومها كشف فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي مخططا لتفجير لبنان عبر سلسلة من السيارات المفخخة التي كانت تستهدف شخصيات محددة في عكار وطرابلس. المتورط الأساسي فيها كان الوزير السابق ميشال سماحة المحسوب بقوة على النظام السوري.. أودع سماحة السجن بفعل الفخ الذي نصبه له فرع المعلومات، بحيث تمكن الجهاز من تسجيل المكالمات بالصوت والصورة التي تدين سماحة وهو متلبس بالجريمة. الرجل حتى اللحظة قابع في السجن، ولم يصدر بحقه حكم قضائي رغم مضي حوالي سنتين على توقيفه، في حين رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن وبعد شهرين على نجاحه في كشف مخطط التفجير، تم اغتياله بسيارة مفخخة في بيروت.. بعدها كرت سبحة التفجيرات المتنقلة، قضى خلالها الوزير محمد شطح تيار وقبله وقع تفجيرا مسجدي السلام والتقوى في مدينة طرابلس، سقط فيهما ستون قتيلاً وأكثر من 350 جريحا. تحقيقات قوى الأمن الداخلي أشارت بأصابع الاتهام لأعضاء في الحزب العربي الديمقراطي بقيادة علي عيد الذي رفض المثول أمام القضاء ثم دفعاً للإحراج، تعلل بعجزه الصحي عن المثول، في حين كان مثول نجله رفعت عيد شكلياً، تمّ خلاله استجوابه حول ملابسات التفجير.. أمّا التفجيرات التي وقعت في الضاحية الجنوبية فلم تمض دقائق أو ساعات على حدوثها حتى أعلنت الجهات التي تقف خلفها مسؤوليتها عنها.. الفاعل كان معروفاً، وتمّ التعامل معه بشكل عكس هيبة الدولة اللبنانية، خلافاً لما يحدث مع قضايا أخرى! أمضت طرابلس منذ ولادة الأزمة السورية عشرين جولة من الاقتتال الداخلي، أحد أطرافه الحزب العربي الديمقراطي وهو ميليشا عسكرية تُتهم بارتكاب مجزرة في حق أهل طرابلس خلال الثمانينيات بغطاء من الجيش السوري يومها، في حين أطرافه الأخرى زعماء حروب ولدوا وتسمنوا بعد الأزمة السورية، ويسمّون اليوم بقادة محاور، بعضهم إسلامي وبعضهم لا يعرف من الإسلام إلا رسمه، ويخضعون لحسابات سياسية دقيقة.. اليوم طرابلس تدمر ويستنزف اقتصادها، وأهلها البالغ عددهم 600 ألف هم أسرى لأمزجة هؤلاء المتقاتلين المأجورين ولحساب من يُشغّلهم محليا وإقليمياً.. ينتقل الحريق من طرابلس إلى صيدا في أحداث عبرا مع الشيخ أحمد الأسير عدو حزب الله اللدود، وتنتهي فصول المسرحية بتدمير مقره وفراره متخفيا مع بعض مقاتليه ثم يصدر القضاء اللبناني الحكم بالإعدام على حوالي 24 من أنصاره، في الوقت الذي لم يحقق في الاتهامات التي سيقت حول وجود ميليشات وأحزاب كانت تقاتل إلى جانب الجيش في مواجهة الأسير.. أما بلدة عرسال المحاذية للحدود السورية فهي باتت أشهر من بعض محافظات لبنان لتصدرها الواجهة إعلاميا وسياسيا بشكل يومي. تُتّهم عرسال بتهريب السلاح إلى المعارضة السورية، وإيواء المقاتلين، في حين يقول أهلها إنها حملة إعلامية منظمة لتشويه البلدة، لأنها أعلنت عن خياراتها الداعمة للشعب السوري في وجه آلة قتل لا ترحم.. أيّا كانت الاتهامات، تبقى الحقيقة الساطعة التي لا تخطئها العين أن الحرائق المتنقلة من طرابلس إلى صيدا إلى عرسال فبيروت تقع في مناطق، الأغلبية فيها من طائفة واحدة تتعاطف مع المعارضة السورية ضد النظام، ما يطرح علامة تساؤل كبيرة حول من يفتعل هذه الحرائق، ومن يحركها؟ وأي مصلحة وطنية ترجى من التورط فيها عند من يلعبون دوراً أساسيا في إشعالها أو تغطيتها سياسيا أو حماية المتورطين فيها قضائياً؟!