13 سبتمبر 2025

تسجيل

التطوير الإداري والتخلص من الروتين

29 مارس 2005

كنت زائرا لإحدى الدول العربية، وبالطبع لا يمكن أن تقوم بزيارة لأي دولة دون الدخول إلى أسواقها، فكان أن ذهبت للسوق لشراء بعض الهدايا، فدخلت إلى إحدى المحلات من اجل هذا الهدف، وبعد ان انتهيت من اختيار ما أريد، ذهبت إلى الصندوق ودفعت الفاتورة، وقال المحاسب إنه يتعين عليّ الذهاب إلى رجل آخر لتسجيل رقم الفاتورة في السجلات التي لديه، فصعدت إلى الطابق الأعلى فوجدت مكتبا به مجموعة من الموظفين، فسألت عن من يقوم بمهمة تسجيل الفواتير فأرشدوني إلى المختص، فقام مشكورا بتسجيل الفاتورة، وبعد الانتهاء منها قلت له هل اذهب لاستلام ما قمت بشرائه، قال مهلا لابد من ختم الفاتورة، فسألته عن المكان الذي تختم به الفاتورة، فقال هنا بالطاولة التي بجواري، ولكن الموظف غير موجود، فقلت له ومتى سيأتي ؟ فنفى علمه بذلك، فوجدت الختم موجودا على الطاولة، فقلت لهذا الموظف ان الختم موجود ولا داعي لانتظار ذلك الموظف، فرد عليّ قائلا إن عملية ختم الفواتير ليست من اختصاصه إنما من اختصاص زميله الغائب، فحاولت معه جاهدا وضع مجرد الختم إلا أنه امتنع عن ذلك، واضطررت إلى الانتظار لحين مجيء ذلك الموظف، وأنا أكاد أتقطع غضبا، ولكن كما يقول المثل "ما في اليد حيلة "، فقيمة الهدايا قد دفعتها ولا مجال لاسترداد القيمة، فكان عليّ الصبر من أجل ذلك الختم.الشاهد من هذا الموقف ان النظام الإداري في العديد من مؤسساتنا بحاجة إلى إعادة نظر، بل بحاجة إلى هدم وإعادة بناء من جديد، بهدف مواكبة التطورات، فلا يعقل أن نقوم بتجميع عشرات الموظفين للقيام بعمل ما، وفي حقيقة الأمر أن هذا العمل يكفي للقيام به بضعة موظفين، وهذا حاصل في عدد من المؤسسات والوزارات.كذلك عملية الروتين والبيروقراطية القاتلة التي تسود العديد من الوزارات والمؤسسات، ولم نستطع حتى هذه اللحظة التخلص منها، بل أصبحت في كثير من الأحيان جزءاً أساسياً من النظام الإداري، وباتت سمة رئيسية لا يمكن تجاوزها أو علاجها، وبات كل من ينادي بإصلاح هذا الخلل يعد خارجا عن السرب، وخارجا عن النظام العام، ويتهم بأنه " فوضوي " ويريد تدمير النظام الإداري للمؤسسة أو الوزارة، ليظل هذا الروتين يكرس وجوده سنوات تلي سنوات، وتصبح عملية علاجه أو اجتثاثه مع مرور الوقت عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة.فما الذي كان يمنع أن يكون التسجيل والختم مثلا ـ كما هو الحال في الموقف السابق الذكر ـ عند موظف واحد، فهو لن يحمل الختم فوق ظهره حتى يكون حملا ثقيلا أو مهمة صعبة لا يمكن القيام بها.في العديد من أقسام الارشيف في وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية، التي ما زال الغالبية منها يعتمد على نظام التسجيل اليدوي تجد موظفا يقوم بتسجيل الرسالة الواردة، وموظفا آخر يقوم بوضع الختم، وثالثاً يقوم بوضعها في ملف البريد الذي سيعرض على المسؤول ،...، وهكذا، على الرغم من أن العملية يمكن أن يقوم بها موظف واحد.النظام الإداري في العديد من الوزارات والمؤسسات بحاجة إلى مراجعة جادة، وتقويم صحيح للعديد من جوانبه، بدلا من هذه التراكمات الآخذة في " جره " للخلف، وتكبيله بقيود تجعله في وضع لا يحسد عليه.