11 سبتمبر 2025
تسجيلقرص الشمس المُحمر في أُفق السماء وهي توشك على المغيب وحولها تتوزع سُحْبٌ بيضاء رفيعة، لوحة الغروب تزين السماء وخيوط الشمس الذهبية تخترق النافذة الزجاجية وتستقر اشعةٌ برتقالية على جسدٍ ساكن صاحب وجهٍ بعيون مغلقة وملامح ساكنة فوق سريرٍ في داخل مبنى مزدحم، المستشفى في الطابق الرابع داخل قسم العناية المركزة في غرفة ٢٠١ يوجد سرير وتوجد حياة، غرفة هادئة وأصوات طنين الأجهزة ومن أحداها يمتد أنبوب طويل الى وجه المريضة وفي نهايته قناع أوكسجين تتكاثف عليه انفاس الزفير ويتضبضب، غرفة هادئة وبين الفينة والاخرى تأتي ممرضة تتفقد احتياجات المريضة النائمة وتتابع الإجراءات اللازمة لمساعدة حياة على أن تصارع ما أصاب جسدها من سقم وبلاء، غرفة هادئة وزيارات كثيرة بعينين دامعتين وقلب راجٍ أن تعود الصحة لأمها العزيزة وما عساها تلك الشابة سوى أن تصلي وتمد يديها مناشدة الرحمن أن يرد لها الحياة، غرفةٌ هادئة وبعض ورودٍ بداخل فازة زجاجية فوق طاولة صغيرة امام السرير ذي الاغطية البيضاء و بين الورود الصفراء بطاقة عليها كلمات بحبر ازرق متأملة بالشفاء من رفقة الدرب القديم ولكن الظروف حالت بينهم واعتذروا عن القدوم، غرفةٌ هادئة والقراءات على الأجهزة غير مستقرة ولكن مازالت مُبشرة بوجود روح محبوسة بداخل جسد لا يوحي بالحياة، غرفة هادئة وأيام متتالية والطرقات شبه خالية وأصبحت بالكاد تسمع ترددات خطوات الأحذية داخل الغرفة الهادئة حتى الممرضة لم تعد تطيل زيارتها الروتينية وتلك الورود البنية المُصفرة انحنت زهورها وبدأت بالفعل تفقد بعض بتلاتها الذابلة والبطاقة البيضاء تجمعت عليها الأغبرة. «هل ستعود حياة يا دكتور؟» تتساءل الفتاة فعجيب أمرك يا حياة، هل تعودين بعد ذلك الحادث الشنيع!، كيف لها ان تستأنف العيش وهي من انتشلت من بين حطام الحريق، وقد ابتلعت النيران المنزل العزيز وشوهت الحروق كل ما كان يوماً سليماً، ويوما يليه يوم جفت دموع الرفيق وصمت نحيب البُنية وتوقف الوصل والرجاء وضاقت تلك الآمال وقنط الشقيق وتقبل استحالة تغير الحال، واخذت الرياح تمسح الحطام وتلاشت الذكريات المحترقة وتطاير الردم مع تتابع الأيام، ولكن هذه هي سنة الحياة ومالك القدر لاينذر قبل وقوع القضاء فكما للمصيبة أن تأتي بلا أي إنذار كذلك موعد الفرج يصيب فجأة بلا مقدمات وتحت إرادة خالق الحياة وفي الغرفة الهادئة تُسمع شهقةٌ لصوت غائب كسرت حلقة الصمت الدائرة وبعينين اشتاقتا لبصيص شعاعٍ يشق ظلمة الأيام وبصعوبةٍ رفعت يدها الراجفة ونزعت عن وجهها قناع الأوكسجين قالت وبصوت جاف «أُريد بعض الماء».