29 أكتوبر 2025

تسجيل

التدبير الإلهي في غزة

29 فبراير 2024

الله ناصر عباده ولو كره الكارهون، وأن هذا الدين «يبلغ ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلًّا يذل الله به الكفر» أو كما قال عليه الصلاة والسلام. التدبيرات الإلهية لأمور وقعت أو ما زالت تقع أمامنا، يقلب الله بها الموازين المادية والقوانين الوضعية في حياة الناس، كثيرة ومتنوعة في التاريخ البشري، وليس شرطاً أن يستوعبها منطقنا البشري القاصر، وإن كان لا يمنع من اعتبارها فرصة للتأمل والتدبر، وما قصص معركة بدر، وموسى مع فرعون، ويوسف وإخوته، وقطز مع المغول، إلا غيضاً من فيض. ما القصة؟ بالطبع لا حدث يعلو على أحداث غزة، ولا يمكنك الحديث عن قضية إلا وجدت نفسك تربطها بغزة بصورة وأخرى. فالأمر لم يعد عادياً يمكنك المرور عليه مرور الكرام كما السنوات السابقة. التضحيات الكثيرة المبذولة في تلك البقعة الضيقة، والمشاهد غير المتوقعة، تدفع بمن في قلبه مثقال ذرة من حس وشعور بالمسؤولية وقبل ذلك إيمان بالله، إلى التوقف برهة أمام ما يجري في غزة. الأمر صار يستحق كثير تأمل ودراسة، ولا أشك لحظة في أن أعداء هذه الأمة قد انهمكوا قبلنا سريعاً في دراسة ما يجري منذ طوفان الأقصى. هذه المرة ليست ككل المرات السابقة كما أسلفنا، حين كانت تأتي القوات الصهيونية وتقصف غزة أياماً، وتهدم بيوتاً وتقتل بشراً، لتتعالى بعد ذلك أصوات هنا وهناك بالتنديد والاستنكار، ثم تهدأ الأمور فتقف عمليات إطلاق النار، ويعود الناس إلى حياتهم.. هذا السيناريو هو الذي توقعه كثيرون منذ بدايات أكتوبر الفائت، وذهب البعض إلى أن أسبوعين إلى شهر، هي مدة متوقعة ولن تزيد الحرب أو إن صح التعبير، العدوان الصهيوني على غزة أكثر من شهر.. لكن يمضي أكتوبر ليحل محله نوفمبر ثم ديسمبر، وهكذا المشهد حي مستمر ونحن على أبواب شهر مارس أو السادس للمواجهة، والتي تعتبر أطول مواجهة عسكرية بين محتلين مجرمين وأصحاب حق مؤمنين. إن هذه المدة غير المتوقعة لهذه المواجهة العسكرية، وهذا الصمود المبهر لحركة المقاومة الإسلامية في غزة، وسقوط آلاف القتلى والجرحى والمعاقين من الطرف المحتل المجرم، وتغير دراماتيكي للمزاج العالمي تجاه الدولة الصهيونية المحتلة لأول مرة منذ سرقة فلسطين في أربعينيات القرن الفائت، واستمرار حركة التظاهر ضد المحتلين حول العالم، بل وزيادة معدلات البحث عن جذور المشكلة، وانكشاف أمر الصهاينة المجرمين لملايين البشر، لا سيما الشباب منهم، كلها مؤشرات ودلائل على أمر لا يجب أن يمر مرور الكرام علينا نحن المسلمين، بل هذا ما يجب التفكر فيه ملياً.. غزة.. حسابات سماوية لن أخشى أو أتردد في القول بأن ما يحدث إلى يوم الناس هذا في غزة، ليس تدبيراً بشرياً، وليست من حسابات البشر، وإن بدا لنا أنها من صنعهم، لكن في رأيي الشخصي، الأمر تعمق أكثر. نعم، الأحداث بدأ بها البشر، لكن وفق تدبير إلهي، أو حسابات سماوية خارج نطاق البشر، ولن تظهر بالطبع أمرها لمن يفسرون الأمور بشكل مادي بحت، لكن من يتأمل مجريات الأحداث، سيجد أنها قد خرجت عن نطاقات حسابات البشر المادية، بل لا يمكن أن يخرج المتأمل المؤمن لهذه الأحداث بنتيجة غير هذا.. أي أن للسماء كلمتها فيما يجري.. فماذا يعني هذا؟ أمثلة من الأحداث المفصلية في التاريخ البشري وقعت بتدبير إلهي، وإن ظن الناس لسنوات طوال أنها من صنع البشر، ولا علاقة للسماء بها. خذ مثال ذلك ما كان في مصر أيام الفراعنة، وظلمهم لبني إسرائيل سنوات طوال، حتى جاء وقت تغيير هذا الظلم وزواله، ليبدأ التدبير الإلهي لخلاص بني إسرائيل من العذاب الذي كانوا عليه، لتكون قصة موسى والنهر وتربية آل فرعون له منذ الصغر، وبقية أحداث تنتهي عند البحر، حين شعر بنو إسرائيل أن نهايتهم قد دنت. فالبحر أمامهم والعدو من خلفهم، فيحدث انشطار البحر وتصفية فرعون وجنوده في لحظات، ليتغير وجه التاريخ، ويأتي من يحكم مصر غير الفراعنة. مثال آخر نعزز به القصة الأولى، لنتأمل التدبير الإلهي المحكم الذي أدى نهاية الأمر إلى معركة بدر الكبرى، ليفرق الله بها بين الحق والباطل، بين فئة مؤمنة مستضعفة لاقت صنوفاً من العذاب، وخسرت المال والأرض والكثير من الأرواح، وفئة ظالمة متجبرة، لم تكتف بظلمها في مكة، بل أرادت تصديره للخارج، والوصول إلى حيث الفئة المؤمنة في المدينة المنورة، من أجل مسحها من الوجود، فكان الترتيب أو التدبير الإلهي لمعركة لم يخرج لها المسلمون أساساً، لكن الله أرادها معركة حقيقية، كي يخرج صناديد قريش وأكابر مجرميها، ليحدث ما حدث وتهتز بعدها القبيلة المهابة في الجزيرة، تمهيداً لتغير واقع سيبدأ من يوم انتصار المسلمين على الكافرين في بدر. طوفان الأقصى تغيير للواقع هكذا الآن نشعر بأن الأمور تسير في غزة. طوفان الأقصى وما ترتب أو ما زال يترتب عليه، ليس سوى تهيئة الأرضية المناسبة لتحول سياسي دولي لم يكن في حسبان أو مخططات العدو، ولا من يسانده من الغرب أو الشرق. بدأ جل العالم يشعر بضرورة وضع حد لهذا الظلم الصهيوني المدعوم غربياً، ولابد أن ينتهي أو يتم كبح جماحه لكيلا يتواصل ويتمدد وينتشر، حتى إذا ما تم كبحه ووقفه عند الحد الذي بلغه، يبدأ هذا الظلم بالانحسار شيئاً فشيئا حتى يعود صاغراً من حيث أتى. منطقياً وبحساباتنا البشرية، لا يمكن تفسير ما يحدث من صمود وقدرة المقاومة الإسلامية في غزة على البقاء فاعلاً مؤثراً، ميدانياً وسياسياً إلى يوم الناس هذا، على رغم قوة العدو والفارق الهائل بين الطرفين في العدد والعتاد، والدعم الغربي اللامحدود وخاصة في الأشهر الأولى، إلا التسليم والإيمان بأن هناك أمراً ما يثبت هذه القلة، بل ويدفعها لمقارعة العدو وإلحاق الأذى به. لابد أن أمراً ما في الطريق لأن يحدث ويقع. لن تكون كل هذه التضحيات بلا مشهد قادم يسر المؤمنين، ويكون حسرة على الكافرين ومن معهم من منافقين ومخذلين ومرجفين. إنك حين ترى تحرك قوى رسمية وشعبية، على شكل دول ومؤسسات ومنظمات وجماهير من خارج الملة والإقليم تناصر الحق الفلسطيني، على رغم أن ما يجري قد جرى عشرات المرات، لابد وأن تتساءل عن السر في هذا، ولماذا لم يهدأ العالم؟ الجواب بكل اختصار، أن تدبيراً إلهياً للأحداث هو من يدير هذه الحراكات والحشود ولا يريد لها أن تقف، وفي الوقت نفسه يدبر أمور المقاومين، ويخلخل صفوف الأعداء والمساندين له، ليقضي الله أمراً كان مفعولا، ولا يعلم جنود ربك إلا هو. هكذا ننظر للأحداث، وهكذا نريد كل مؤمن بالله ورسوله أن ينظر إليها، ويثق بأن الله لن يخذل عباده المؤمنين المرابطين المجاهدين في غزة، ولن يجعل للكافرين عليهم سبيلا بعد الآن. وثقتنا في الله كبيرة في أن الكثير الكثير من الأمور ستتغير بعد توقف الأحداث، بل لابد أن تتغير، لأن « الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته « كما في الحديث الصحيح، وهذا هو ما ننتظره عما قريب بإذن الله. سيقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا.