20 سبتمبر 2025

تسجيل

فصبرٌ جميل

29 فبراير 2016

روي أن يعقوب عليه السلام وقصته مع أبنائه حين جاءوه عشاء يبكون أخاهم يوسف، كما جاء في تفسير القرطبي، لما قالوا له: فأكله الذئب قال لهم: ألم يترك الذئب له عضوا فتأتوني به أستأنس به؟ ألم يترك لي ثوباً أشم فيه رائحته؟ قالوا: بلى، هذا قميصه ملطوخ بدمه، فذلك قوله تعالى: وجاءوا على قميصه بدم كذب.. فبكى يعقوب عند ذلك، ثم جعل يقلبه فلا يرى فيه شقاً ولا تمزيقاً، فقال: والله الذي لا إله إلا هو، ما رأيت كاليوم ذئباً أحكم منه.. أكل ابني واختلسه من قميصه ولم يمزقه عليه! وعلم أن الأمر ليس كما قالوا، وأن الذئب لم يأكله، فقال: بل زينت لكم أنفسكم أمراً غير ما تصفون وتذكرون. ثم قال توطئة لنفسه: فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون.يعقوب عليه السلام صبر صبراً جميلاً على ما حدث مع ابنه يوسف وإخوته، وكذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مع قصة الإفك، حين ضاقت عليها الأرض بما رحبت حتى قالت: والله ما أجدُ لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف، قال "فصبر جميل، واللَه المستعان على ما تصفون". هذا هو الصبر المحمود. الصبر الجميل كما سُئل عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: صبر لا شكوى فيه.الأصل في الإنسان أمام الابتلاءات والمحن والنوازل والكوارث أن يحتسب أمره ويصبر، لينال رضا الله ويكسب ما بشره سبحانه للصابرين في قوله تعالى: "وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون".لكن بالتأكيد هذا الأمر حين تدعو غيرك إليه نظرياً، سيكون سهلاً هيناً عليك، لكن في الواقع العملي مع الذي يعايش الواقع ويتعامل مع تلك الأمور، تجد التطبيق ليس سهلا يسيرا إلا على من يسّر الله له، فالبشر متفاوتون في قدراتهم وضبط أعصابهم أمام المشكلات وفي أوقات المحن والشدائد.. ولكن مع ذلك، نسدد ونقارب، فلا يكون هناك إفراط أو تفريط في ضبط إيقاعات النفوس، ما بين الفطرة الإنسانية الجزوعة الهلوعة، وبين الأجر الوافر عند الله للصابرين المحتسبين.