18 سبتمبر 2025

تسجيل

العدوان المتبادل بين الإنسان والبيئة ودور الأمن البيئي (1)

29 يناير 2013

لـم يـؤثـر مخلوق فـي البيئة، كما فعل الإنـسـان الــذي مـيـزه الله بنعمة العقل، فأصبح العقل مصدر قوته وسيطرته على الأحياء الأخرى، فقد يسر له العقل استحداث تأثيرات مدبرة مقصودة في البيئة، إضافة إلى التأثير الغريزي الذي فُطر عليه. وقـد دلـت الـدراسـات البيولوجية على أن الـنـوع البشري قـد أثر تأثيرا عدوانيا عميقا في البيئة، ومن جراء ذلك أن اختلت الموازين السائدة بين شتى الأحياء على الأرض عدة مرات. ومن المدهش أن أنـواع الأحياء التي تعيش على كوكبنا اليوم لا تمثل سوى حوالي ١٪ فقط من مجموع الأحياء التي شهدتها الأرض خــلال رحلتها الـطـويـلـة، معنى ذلــك أن ٩٩٪ مـن أنــواع الأحياء قد انقرضت بغير رجعة، كما أثبتت هذه الدراسات أن معدل انقراض الأنواع على الأرض بعد ظهور النوع البشري قد بلغ ٤٠٠ ضعف لمـعـدلات الانـقـراض قبل ظـهـوره، وهـذا يوضح تماما الأثـر الحاسم لهذا المخلوق في بيئة الأرض، ولقد كانت الثورة الزراعية خطوة من الخطوات الأولى التي قضى من خلالها الإنسان على أعداد لا تحصى من أنواع النباتات وذلك من أجل أن يحفظ عددا محدودا من الأنـواع الأخـرى، فالمعروف أن المساحة المزروعة على الأرض تبلغ اليوم حوالي ١٠٪ من مجموع مساحة اليابسة، يــزرع الإنـسـان حـوالـي نصفها بثلاثة أنــواع فقط من النباتات هي القمح والذرة والأرز، أما الأنواع التي قضى عليها في سبيل الحفاظ على النباتات الثلاثة فتبلغ عشرات الآلاف، وبذلك أخل الإنسان باستقرار الحياة، ولم يحقق رسالة الله في الكون الذي ما خلقه الله على أكمل صورة إلا لخدمة الإنسان. لم يشهد الغلاف الحيوي في أي حقبة من عمر كوكب الأرض قــدرا مـن الـتـلـوث مثل الـقـدر الــذي أصـابـه خـلال الـعـقـود القليلة الأخــيــرة مــن الــقــرن المــاضــي، فـقـد لـــوث الإنــســان الـتـربـة والمـــاء والهواء وطبقات الجو العليا، أما التربة فقد لوثها بما ألقى فيها مــن ســمــوم، امــا لمـخـصـبـات وأســمــدة أو كـمـضـادات لـلأعـشـاب والحشرات والآفــات أو كنفايات لصناعاته العديدة، ولـوث الماء بمخلفات المجاري والصناعة، وكمثال وحيد نذكر الأطنان من مساحيق الغسيل الـتـي تنتهي إلــى الأنـهـار والـبـحـار مما رفع نسبة الفوسفات فيها إلى حدود حرجة، كما لوث الإنسان الهواء بعوادم السيارات والمصانع فرفع تركيز ثاني اكسيد الكربون في الجو ولوثه بغازات سامة أخرى لم تكن موجودة فيه من قبل مثل أكاسيد الكبريت والنيتروجين الناتجة عن احتراق الوقود وعن عملية التسخين، هذه الأكاسيد هي التي تتسبب في المطر الـحـمـضـي، كـمـا لــوث الإنـسـان طـبـقـات الـجـو العليا وعـلـى وجـه الخصوص غلاف الأوزون الذي يحمي الحياة على الأرض، حيث يمتص الإشعاعات الكونية المهلكة فلا تصل إلى سطح الأرض. لـقـد قـضـى الإنــســان عـلـى أحـيـاء نـافـعـة بـأسـلـوب غـيـر مباشر يعود بنا مـرة أخـرى إلـى ظاهرة التلوث، إذ أن هـذه الظاهرة قد أدت بالفعل إلى اغتيال اعداد لا حصر لها من الأحياء، بل وإلى انقراض الكثير من الأنواع التي ماتت موتا جماعيا، كالحيتان والـدلافـين (الـدرافـيـل بالعامية المـصـريـة)، على أن مـن أخـطـر ما تسبب فيه التلوث هو بلاشك موت الغابات في شتى بقاع العالم، ففي أحدث الدراسات التي نشرت عن موت الغابات الصنوبرية في أوروبا مثلا ثبت أن هذا الموت قد بلغ حدودا مخيفة، إذ بلغت نسبة موت الغابات في هولندا ٥٩٪، وفي ألمانيا الغربية ٥٣ ،٪ وفي سويسرا ٥٢٪، وفي تشيكوسلوفاكيا ٤٩٪، وفي فرنسا ٣٨٪، وفي السويد ١٧ .٪ كما بينت هذه الدراسة أن التلوث الصناعي هو المتسبب في هذا الموت بفعل "طبقة الانعكاس" الناتجة عن مداخن المصانع.