18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يطل العام الجديد على اللبنانيين في ظل أجواء إيجابية عكسها الحوار الذي بدأ بين تيار المستقبل وحزب الله، تتزامن جلسات الحوار هذه مع استمرار انعقاد جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي –كما بات معروفاً- تتهم قياديين في حزب الله بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري مؤسس تيار المستقبل ووالد رئيسه الحالي سعد الحريري.ما يستدعي الانتباه هو الحرفية العالية التي يقدمها تيار المستقبل للبنانيين في الفصل الكامل بين تأييده للمحكمة الدولية وإيمانه بحياديتها وتسليمه بصوابية قراراتها واتهاماتها، وبين علاقته مع حزب الله الذي تتهمه المحكمة. ليست المرة الأولى التي يضطر فيها تيار المستقبل "للعض" على جرحه، وتجاوز عدائه وأحقاده مع الآخرين. ففي مرحلة خلت، اضطر رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لإهمال حزنه ورغبته بالثأر من الذين قتلوا والده، وذهب إلى قصر المهاجرين بدمشق وعانق الرئيس بشار الأسد وقضى ليلته في ضيافته، رغم قناعة الحريري الراسخة بأن الأسد هو المسؤول عن اغتيال والده. الأمر نفسه حصل عام 2008 حين اضطر تيار المستقبل لتجاوز ما ارتكبه حزب الله بحقه. يومها أقدم الحزب وحلفاؤه بقوة السلاح على الإطاحة بتيار المستقبل في العاصمة بيروت وعدد من المناطق، فنهب مراكزه وأحرق وسائل إعلامه واعتقل مؤيديه، هذا عدا عما أصاب اللبنانيين من قتل وترويع. لكن تيار المستقبل تجاوز كل ذلك وعاد وجلس على طاولة واحدة مع حزب الله رغم أن ركام مراكزه المحترقة لم يكن قد رُفع بعد، وفتح صفحة جديدة وتناسى ما حصل، وشارك إلى جانب حزب الله في حكومة وحدة وطنية، "وراحت عاللي راح".التعالي على الجراح الذي قدمه تيار المستقبل في المراحل السابقة، وتصريحه بأن هذا التعالي يهدف لتقديم المصلحة العامة على مصلحته لا يعود فقط إلى الرقي والسمو والإيثار في الأداء السياسي، فهناك مصالح وأهداف أخرى لم تعد خافية على أحد. فزيارة سعد الحريري إلى دمشق ولقاؤه بالرئيس الأسد في ديسمبر عام 2009 كانت ممراً إلزامياً للقبول بالحريري رئيساً للحكومة. ومشاركة تيار المستقبل مع حزب الله في حكومة واحدة رغم الأداء الميلشياوي الذي قدمه الحزب كان ثمرة تسوية خضع لها الجميع تمهيداً لانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة مشتركة. هنا يصبح التساؤل مبرراً حول الأهداف والمصالح التي دفعت تيار المستقبل هذه المرة للحوار مع حزب الله، فالحزب لم يلتزم بأي من الشروط التي قدمها تيار المستقبل للتحاور والتلاقي، فلماذا قبل تيار المستقبل اليوم بما كان يرفضه بالأمس، وما هي مصلحته في الحوار، أم أن الأمر جاء تلبية لتوجيهات المحور الخارجي الذي ينتمي إليه؟الخضوع للتسويات الخارجية أمر اعتاده اللبنانيون وألِفوه، ولم يعد مستهجناً انقلاب القوى والأحزاب المتصارعة على مواقفها ومبادئها إرضاء للمحاور والدول التي تدعمهم وتساندهم وتغطيهم. ومن المعروف أن الكثير من الخلافات التي تنشب بين القوى اللبنانية هي انعكاس ونتيجة لخلافات القوى الخارجية، والأمر نفسه حين تتلاقى القوى المتنافرة وتتحاور، كذلك تتم في كثير من الأحيان بناء على رغبة خارجية. لذلك، فإن محاولة حزب الله وتيار المستقبل "استهبال" الشعب اللبناني بالادعاء أن الحوار بينهما يهدف –فقط- لتنفيس الاحتقان في الشارع، والتخفيف من حدة الانقسام الطائفي لا طائل منها، فالاحتقان الذي يتحدثون عنه ليس جديداً، بل لعلّه هذه الأيام في مستوياته الدنيا، وهو وصل في مراحل خلت إلى مستويات أكثر خطورة وحدّة تسبب بها المتحاورون أنفسهم، وهي كادت تودي بالبلد إلى حافة حرب أهلية جديدة. لم نلحظ حينها حرصاً من حزب الله وتيار المستقبل على "تنفيس الاحتقان" ولا سعياً للحوار لتهدئة التشنج المذهبي، فمن أين هبط عليهم هذا الحرص الآن؟! علاوة على ذلك، من المعروف أن أحد أبرز أسباب الاحتقان الداخلي والتشنج الطائفي مرتبط بتداعيات الأزمة السورية على لبنان، ومشاركة حزب الله فيها من خلال مشاركة النظام في قتل شعبه. في حين أن طرفي الحوار اتفقا مسبقاً على عدم التطرق للمواضيع الخلافية، وعلى رأسها مشاركة الحزب في سوريا. على ماذا إذاً سيتحاورون، وكيف سيتمكنون من تنفيس الاحتقان، في ظل تجاهل الدافع الأبرز لهذا الاحتقان؟!الحوار أمر إيجابي في جميع الأحوال، وعلى جميع اللبنانيين أن يرحبوا به ويهلّلوا له، هو على الأقل بديل عن التناحر والتقاتل والتشاتم والتشاحن. لكن هناك فارقا كبيرا بين أن ينتظر اللبنانيون من الحوار تحسن الأحوال، وطمأنة للبال، وبحبوحة في المال، وإنهاء للقضايا الإشكالية التي تشغل بالهم، وتؤرق راحتهم، وبين أن يكون حواراً شكلياً، لن يكون له أي انعكاس على الأرض، أو في النفوس.