10 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن بيان المثقفين العرب، الصادر في أعقاب العدوان على غزة، هو بداية صرخاتهم للمطالبة بوقف الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني، ولكنها نداءات تمتد إلى نحو 75 عامًا، وإن تفاوتت هذه النداءات في قوتها، إلا أنها كانت في كل الأحوال تعبيرًا من المثقفين عما يجول في خاطرهم تجاه دعم قضيتهم المركزية، والدفاع عن أشقائهم في الأراضي الفلسطينية. اللافت أن البيان أتاح حقول الانضمام مفتوحة، بهدف ضم المزيد من المثقفين العرب إليه، دعوة منهم إلى ضرورة الوقف الشامل للعدوان، علاوة على ما حمله من رسائل عديدة تؤكد أن العدوان لم يكن منبتًا عما سبقه من جرائم صهيونية بحق الشعب الفلسطيني، وحقه المشروع في الكفاع من أجل نيل حريته وحقوقه المسلوبة، على مدار العقود السبعة الماضية، إذ «لم يترك الكيان المحتل قيمة أخلاقية إلا انتهكها، ولا مبدأ حضاريًا إلا خرقه، ولا قداسة إنسانية إلا داسها بأحذية جنوده». هذا الفهم الثقافي الذي عبر عنه البيان، يعكس قراءة ثقافية متأنية لما جرى ويجري اليوم من جرائم في حق الشعب الفلسسطيني، وأنها ليست وليدة معركة «طوفان الأقصى»، بل هى سلسلة طويلة من الجرائم يمارسها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، والتي ينبغي أن تقابلها جهودًا ثقافية مكثفة ، عبر خطوات عدة، انطلاقًا من أن المثقف لابد أن يكون فاعلًا في محيطه، إذ إنه لا يكتب لنفسه فقط، ولا يرسم له فحسب، ولا يمثل لذاته وكفى، ولا يطلق كلماته لعينه دون غيره، ولكنه يكتب ويرسم ويمثل ويخاطب جميع من حوله، ليؤدي بذلك دوره الذي يبنغي أن يكون. وعلى هذا النحو، جاء بيان المثقفين ليترجم الدور الذي ينبغي أن يكون، فالإرادة الثقافية يمكن أن تكون أقوى من أي سلاح، فحينما يتم مطالبة المثقفين للقيام بدورهم، فإن هذا لا يعني بالضرورة جرهم إلى سياقات أخرى غير سياقهم الثقافي، بقدر ما هى مطالبات تحتم عليهم تفعيل دورهم، عبر بذل العديد من الجهود من وسائل وأدوات ثقافية. والواقع، فإن مثل هذه البيانات تأتي انعكاسًا لواقع يحتم فيه على المثقف عدم الوقوف موقف الصامت أو المحايد، أو حتى المتماهي مع المواقف الرسمية، فما قرأنا وما شاهدنا وما سمعنا يومًا ما بأن المثقف ينبغي أن يكون متماهيًا مع ما يدور حوله، وإلا ما كان هناك المثقف الناقد، الحالم بعالم أفضل، الساعي إلى التغيير، الرامي إلى التنوير.