11 سبتمبر 2025

تسجيل

ضحايا الإرهاب وازدواجية المعايير

28 نوفمبر 2015

ضرب الإرهاب خلال الأسابيع الماضية مناطق عدة في العالم كشرم الشيخ وباريس ولبنان وباماكو وتونس وبطبيعة الحال سوريا والعراق واليمن. المتتبع والملاحظ للتغطيات الإعلامية لهذه الأحداث الإرهابية يلاحظ أن في بعض الدول والأماكن ضحايا الإرهاب لهم درجة معينة ومنزلة مرموقة وتغطية درجة أولى. فما حدث في باريس كان بمثابة الجريمة العظمى والكارثة الكبرى حيث تهافتت وسائل الإعلام على تغطية الحدث وبطريقة مكثفة وتهافت وتسارع باراك أوباما وديفيد كاميرون وأنجيلا ميركل وغيرهم كثر للتنديد بالعملية وللتضامن مع فرنسا في محنتها وفي ضرورة تكثيف الجهود لاحتواء الارهاب والقضاء عليه. في نفس اليوم الذي ضرب فيه الإرهاب باريس ضرب لبنان، لكن لا مجال للمقارنة وكأن إرهاب لبنان شيء عادي وطبيعي ولا أثر له أما، إرهاب باريس فهو إرهاب من الدرجة الأولى وكأن ضحايا الإرهاب في لبنان هم من الدرجة الثالثة أو الرابعة وضحايا باريس هم من الدرجة الأولى. ونفس الشيء ممكن قوله بالنسبة لضحايا باماكو وشرم الشيخ وضحايا الإرهاب في سوريا والعراق واليمن وتونس ومصر. الغريب في الأمر أن الإعلام الدولي والمؤسسات الإعلامية عبر العالم لم تحاول استقصاء الأمر بالطريقة المعهودة لدى منظري الصحافة الاستقصائية والصحافة التي تغوص في تفاصيل الأمور ولا تكتفي بقشورها. فدومينيك دو فيلبان وزير الخارجية الفرنسي السابق على سبيل المثال وفي مقابلة تلفزيونية شرح الوضع كما ينبغي وأجاب عن أسئلة كثيرة غيّبتها وسائل الإعلام العالمية كالمحلية من أجندتها. دو فيلبان في مداخلته قال أن الإرهاب ضرب فرنسا بسبب تدخلها في الشرق الأوسط ولخنوعها وخضوعها للسياسة والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. كما أضاف أن من يقتل الآخرين وأبرياء الآخرين لا بد أن يعامل بالمثل. فحسب دوفيلبان «داعش» صناعة غربية والإرهاب له قواعد خلفية في مدن أوروبية عديدة وأن تنظيم «داعش» ما هو إلا «وليد مشوه» لسياسة الغرب المتغطرسة التي ضاعفت بؤر الإرهاب حول العالم. واعتبر دو فيلبان في حديث لقناة « PFM tv» الفرنسية أن التدخل العسكري في أفغانستان والعراق وليبيا ومالي ساهم في «تضاعف أعداد الجهاديين الإرهابيين الذين كانوا بضعة آلاف وأصبحوا يعدون بعشرات الألاف». كما وصف قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتشكيل تحالف دولي لمحاربة «داعش» بأنه خطير وسخيف لأنه «سيعمل على مضاعفة البؤر الإرهابية»، كما طالب دو فيليبان الدول الغربية بالوقوف أمام الحقيقة المؤلمة التي شاركوا بقوة في صنعها. وقال «حان الوقت أن تتعلم أوروبا والولايات المتحدة من تجربة الحرب على أفغانستان، ففي 2001 كان لدينا بؤرة إرهاب رئيسية واحدة أما الآن وبعد خوض عمليات عسكرية على مدار الـ13 سنة الماضية شملت أفغانستان والعراق وليبيا ومالي أصبح لدينا نحو 15 بؤرة إرهابية بسبب سياستنا المتناقضة». وفي حديث آخر أجرته معه صحيفة «لوموند» الفرنسية في 13 يناير2015، قال دو فيليبان إن «التدخل العسكري الفرنسي المباشر في ليبيا لإسقاط حكم العقيد معمر القذافي، ساهم بشكل واضح في كل ما وصلت إليه الأوضاع الراهنة في فرنسا». وأضاف: «الآن فقط شعرنا كيف أن بعض العمليات العسكرية هي التي بشّرت بكل ما يحدث لنا اليوم في البلاد، حيث أن العملية العسكرية التي نفذت في الأراضي الليبية في العام 2011 والتي نجم عنها منذ ذلك الوقت تحويل ليبيا إلى معلم إرهابي في الصحراء». وكذلك العملية العسكرية التي نفذت في منطقة الساحل الأفريقي وخصوصاً في نطاق الأراضي النيجيرية على الحدود الدولية المتاخمة لكلٍّ من تشاد والكاميرون، حيث تمدّدت أذرع حركة «بوكو حرام» لتبسط سيطرتها ونفوذها، الاجتماعي والجغرافي، وتحكم قبضتها المتوحشة على سكان هذه المناطق. وقد ظلت معظم الجماعات والتنظيمات الإسلامية، التي سلكت مسلك التشدد والعنف المسلح والإرهاب، منذ التدخل العسكري السوفياتي المباشر في أفغانستان في 25 ديسمبر 1979 من القرن الماضي، تعتمد لسنوات عديدة على دعم الغرب والولايات المتحدة وبعض حكومات الدول العربية والإسلامية، لمشاريعها «الجهادية الإسلامية»، وعمليات تدريبها وتمويلها وتموينها من المواد الأولية للصناعات العسكرية الحديثة، والمساعدات اللوجستية والفنية والتسهيلات الاقتصادية الضخمة. ثم بدأ عودها يشتد في مواجهة الحروب والغزوات الغربية والأميركية والدولية، التي ظلت متوحشة ودموية بشكل واسع النطاق، منذ ذلك الوقت بذريعة مكافحة قضايا الإرهاب.