12 سبتمبر 2025

تسجيل

قراءة في الانتخابات الرئاسية التونسية وتداعياتها

28 نوفمبر 2014

لم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية في دورتها الأولى التي جرت يوم الأحد 23 نوفمبر 2014، مفاجأة في شيء، إذ كما كان هو متوقعاً حصل السيد الباجي قائد السبسي مرشح «حزب نداء تونس» على 1289384 صوتا بنسبة 39.46%، واحتل بذلك المرتبة الأولى، وحصل الرئيس المترشح محمد المنصف المرزوقي على 1092418 صوتا بنسبة 33.43 %، واحتل المرتبة الثانية، وحصل مرشح الجبهة الشعبية حمة الهمامي على 255529 صوتا بنسبة 7.82%، واحتل المرتبة الثالثة، وحصل مرشح «تيار المحبة» محمد الهاشمي الحامدي على 187923 صوتا بنسبة 5.75%، واحتل المرتبة الرابعة، وجاء مرشح حزب «الاتحاد الوطني الحر» سليم الرياحي في المرتبة الخامسة، بحصوله على 181407 أصوات بنسبة 5.55%.وانطلاقاً من نتائج الدورة الأولى التي أعلنتها اللجنة المستقلة للإنتخابات، سوف تنحصر الدورة الثانية لانتخاب رئيس للجمهورية الثانية التي ستجرى في بحر ثلاثة أسابيع، بين المرشحين اللذين فازا بأعلى الأصوات في الدورة الأولى، وهما السيد الباجي القائد السبسي، والدكتور محمد المنصف المرزوقي. وكرست نتائج هذه الانتخابات الاستقطاب الثنائي، الاستقطاب الثنائي الذي أصبح حقيقة موضوعية في المشهد السياسي التونسي، تتأكد من انتخابات إلى أخرى، حيث إن هذا الاستقطاب حصل في الانتخابات التشريعية بين حزبي «نداء تونس» و«حركة النهضة»... ورغم غياب المرشح الرسمي للحزب الإسلامي عن الانتخابات الرئاسية، فقد تواصل هذا الاستقطاب وبنسب متقاربة أيضا وعوض المرشح المرزوقي حزب النهضة هنا. كما كرست هذه الانتخابات الرئاسية الانقسامات الجهوية في تونس، إذ صوت الناخبون ذوو التوجه العلماني، وكذلك منطقة الساحل «محافظات المنستير والمهدية وسوسة»، ومحافظات الشمال الغربي«باجة جندوبة والكاف وبنزرت»، وعدة مناطق من العاصمة تونس، وبالأخص الأحياء الراقية، لصالح قائد السبسي، مرشح «حزب نداء تونس». بينما صوت الجنوب التونسي، معقل حركة النهضة الإسلامية، لمصلحة الدكتور المنصف المرزوقي.ومن الواضح لجميع التونسيين، أن وصول المرشح المنصف المرزوقي للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، لم يكن بفضل أصوات حزبه «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» الذي لم يحصد سوى 4 مقاعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بل حصل كل هذا الكم من الأصوات بفضل أصوات القاعدة الانتخابية لحزب «حركة النهضة»، حتى وإن لم يعلن الحزب الإسلامي ذلك رسمياً. وهذا ما جعل الباجي قائد السبسي يقول في تصريح يوم الإثنين الماضي لإذاعة «إر إم سي» الفرنسية «من صوتوا للمرزوقي هم الإسلاميون الذين رتبوا ليكونوا معه، يعني حزب حركة النهضة والسلفيون الجهاديون ورابطات حماية الثورة». وأصرّ الباجي قائد السبسي على أن «كل الإسلاميين اصطفوا وراء المرزوقي» في انتخابات الأحد الماضي. وأضاف الباجي قائد السبسي أن تونس ستنقسم خلال الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية إلى «شقين اثنين: الإسلاميون من ناحية وكل الديمقراطيين وغير الإسلاميين من ناحية أخرى».أما الذين صوتوا للباجي القائد السبسي، فهم المتمسكون بنموذج المجتمع التونسي المعتنق للحداثة الغربية، والمنفتح، والليبرالي، حيث نجح مرشح «حزب نداء تونس» في استثمار أجواء الخوف من الإرهاب الذي استوطن في تونس في زمن حكم الترويكا، ورغبة الشعب التونسي، والحنين إلى الأمن والاستقرار الضروريّين لكي تنهض تونس اقتصاديا، بعد أفول النموذج الاقتصادي التونسي القائم على الرأسمالية المحسوبية، باعتباره نظاماً أنتج البطالة، وارتفاع الأسعار، والعجز في خلق وظائف جديدة، ومن تعبيره عن خيبة أغلب التونسيين من حكم «الترويكا» الذي حوّل تونس خلال الثلاث سنوات من الانتقال الديمقراطي إلى العيش في ظل الفوضى، والإرهاب التكفيري، وغياب الدولة، والخوف من عودة الاستبداد، لكي تعود إلى البلاد إلى المربع الأول، والذي رفع الشعب التونسي فيه شعار« شغل حرية كرامة وطنية». فنجح الباجي قائد السبسي في إقناع الكثيرين من التونسيين، لا سيما من الطبقة المتوسطة بخطابه عن «استعادة هيبة الدولة» و«المحافظة على الإرث الحداثي البورقيبي والنمط المجتمعي التونسي»، كما استفاد في ذلك من الماكينة الحزبيّة والانتخابيّة القويّة التي ورثها عن «حزب التجمع» المنحلّ.وأسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية عن السقوط المدوي لقيادات وطنية كبيرة، من أمثال الأستاذ أحمد نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري ومن اللافت في هذه الانتخابات الرئاسية الصعود المفاجئ لمرشح الاتحاد الوطني الحرّ، حزب رجل الأعمال الشابّ سليم الرياحي، الذي احتل المرتبة الخامسة، وتحوم شبهات حول أمواله الطائلة التي جمعها أثناء إقامته في ليبيا قبل الثورة. وقال سليم الرياحي رئيس الاتحاد الوطني الحر إن نسبة 32٪ التي تحصّل عليها منصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، جاءت على خلفية تصويت قواعد حركة النهضة له، مضيفا أنه سيتحالف في الدور الثاني مع المرشح الذي يشترك معه في نفس المبادئ، نافيا مغادرته تونس في الفترة القادمة. وأكد الرياحي أنه سيجتمع بهياكله لمناقشة مع من سيتحالف الحزب في الدور الثاني مؤكدا أن الخلافات التي حصلت بينه وبين حركة نداء تونس انتهت مع انتهاء الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، قائلا سنعلن قريبا عن المرشح الذي سندعمه ليكون رئيسا لتونس في الخمس سنوات القادمة. ويرجح أن يصوت سليم الرياحي وحزبه لمصلحة الباجي قائد السبسي.السؤال الذي لا يزال يحير التونسيين لمن ستصوت الجبهة الشعبية في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية،لا سيما أن الجبهة أصبحت الآن موجودة بين المطرقة والسندان، بين مرشح اليمين الليبرالي السيد الباجي قائد السبسي، ومرشح الإسلام السياسي الدكتور محمد المنصف المرزوقي؟رغم أن الموقف الرسمي للجبهة الشعبية سيعلن اليوم عقب اجتماع مجلس الأمناء، فإن الجبهة الشعبية تعتبر أن تسهيل كشف حقيقة مقتل الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهم سيكون من المطالب الأساسية والأولية، التي ستطالب بها الجبهة الحكومة القادمة. وهذا المطلب المرشح الباجي قائد السبسي في أولوياته عندما أكد على ضروة كشف كل الاغتيالات السياسية التي حصلت في البلاد إبان الترويكا. وتتناقض الجبهة الشعبية مع السياسة التي انتهجها الدكتور المنصف المرزوقي، لا سيما تحالفه مع الإسلام السياسي، واستقباله في قصر قرطاج رموز ما يسمى «رابطات حماية الثورة»، وانتهاجه سياسة خارجية قادت إلى ارتباط تونس بمحمور إقليمي ودولي لا يخدم مصالح الشعب التونسي، فضلاً عن قطعه العلاقات الديبلوماسية مع سوريا. لهذه الأسباب مجتمعة، وغيرها من الأمور الأخرى التي تلتقي فيها الجبهة الشعبية مع الباجي قائد السبسي، خاصة المحافظة على نموذج المجتمع التونسي المنفتح والعلماني، فإن الجبهة الشعبية ستصوت في الدورة الثانية لمصلحة مرشح «حزب نداء تونس»، حتى وإن اختلفت معه، على صعيد منوال التنمية الاقتصادية، فهي ستأخذ بعين الاعتبار المزاج الشعبي السائد الآن في تونس، والذي يتمثل في المحافظة على أمن واستقرار الوطن والشعب التونسيين، ومحاربة الإرهاب، والالتزام بإعادة العلاقات مع سوريا، ودعم أمن الجزائر، وإنقاذ البلد البارك اقتصاديا.