26 أكتوبر 2025

تسجيل

الحمل ثقيل

28 أكتوبر 2021

المسؤولية عبء ثقيل، فهي أمانة.. وقدرة وإنجاز.. وتخطيط وإحسان.. وشعور بالواجب والقيام به على أكمل وجه، ولها من الأثر الجميل والذكر الطيب عندما ترحل عنها-أي عن المنصب- ففي يوم ما ستغادر منصبك أياً كان مسماه، ولن يبقى لك إلاّ ما زرعته من خير وحُسن معاملة بين الناس. وصدق القائل: إنَّ المـنـاصـبَ لا تــدومُ لــواحــدٍ ***** إنْ كنتَ في شَــكٍّ فـأيـــنَ الأوّلُ فاغرسْ منَ الفعلِ الجميلِ فضائلاً ***** فإذا عُـزلــتَ فإنـهـا لا تُـعـــــزلُ وقال آخر: لا تحسبوا أن المناصبَ باقية **** أو أنها يومــاً ســتـبـقـى وافــيـــة عاشرْ بمعروفٍ فإنـكَ راحلٌ **** واتركْ قلوبَ الناسِ نحوكَ صافية هكذا رأى صُنّاع الحياة المسؤولية بأنها الحمل الثقيل، ومن قرأ مشاهد هؤلاء في الحمل الثقيل، عرف وأدرك المعنى الحقيقي لهذا الأمر، فتأمل صور هؤلاء القوم الكرام الكبار كيف أداروا الحمل الثقيل عملياً وروته صفحات التاريخ عنهم بكل فخر وعزة وشرف وأمانة، وستظل تروى عنهم إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فهم القدوات صُنَّاع الحياة!. * " فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني". * " انظروا كم أنفقتُ منذ وُلِّيت من بيت المال، فاقضوه عنَّي..." قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان يتولى القضاء في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه " فلقد كان يأتي عَليَّ الشهر ما يختصم إليَّ فيه اثنان". عرفوا المعنى الحقيقي للحمل الثقيل فأصبح الناس على وعي في كيفية التعامل مع بعضهم البعض، فخفف العبء على قضاة ذاك الزمان!. وأما في زماننا فالأعباء تتزايد عليهم يوماً بعد يوم، والله المستعان!. جاء عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لئن عشتُ إن شاء الله لأسيرنَّ في الرعية حولاً، فإني أعلم أن للناس حوائج تُقطع دوني، أما عمّالُهم فلا يرفعونها إليَّ،..". وأما في زماننا هذا ما أكثر ما يُخفى عن المسؤول من حوائج الناس، فتضيع الحوائج فتكثر مشكلات الناس وهمومهم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. (فالرزة) ليست (رزة) كرسي ولقب ومنصب، ولكن (الرزة الحقيقية) أن تكون مع الناس، وتحتفي بهم عندما يريدون مقابلتك فيسعدوا بك عندما تسمع لهم! وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه "كلما صلى صلاة جلس للناس، فمن كانت له حاجة نظر فيها، وكان رضي الله عنه يجلس بعد صلاة الفجر للنظر في أمور رعيته حتى ترتفع الشمس، ثم يقوم فيدخل بيته". لماذا رضي الله عنه يجلس للرعية؟ لأنه مشهد من مشاهد الحمل الثقيل. وقف الخليفة هارون الرشيد رحمه الله يومًا ينظر إلى السماء فرأى سحابة تمر، فخاطبها قائلاً "أمطري أنى شئتِ، فسيأتيني خراجك". ما قالها رحمه الله إلاّ أنه يعلم أن الحمل ثقيل، وهذا موطن من مواطن العزة والقوة. "فاتقوا الله عباد الله، وأعينوني على أنفسكم بكَفَّها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...". فهذه المواقف وغيرها التي تُروى عن صُنَّاع الحياة ليست للتسلية، ولا قصص لما قبل النوم، وإنما هي معالم للطريق لرحلة الحياة التي فيها العزة والشرف والتفوق والنهضة للأمة، من خلال إظهار صور ومواقف هؤلاء العملية والاحتفاء بها، فهم القدوات ومباهج الحياة في جميع مساحاتها بلا منازع، ومن يرتضي ويبحث عن غيرهم فهو يلهث وراء سراب ولن يجده، بل يجد الضياع ويعيش مع الفوضى. "ومضة" لا تفرح بمنصبٍ زُفَّ إليك، وجاءتك التهنئة من كل حدبٍ وصوب!. فاجعل من منصبك أداة خير ونفع للناس! فهذا الذي سيبقى لك بعد الرحيل عنه، وسيذكرك الناس بخير، أو...!. إنه الحمل الثقيل!. [email protected]