31 أكتوبر 2025
تسجيلعواصم الرباعي المتأزم لا تكاد تهدأ من كثرة الاجتماعات والندوات والورش المتنوعة التي تنظمها، الظاهرة منها والخفية، وكلها حول قطر بالطبع والأزمة التي تعيشها المنطقة، التي ما هي إلا نتاج ما كسبت أيديهم. حتى إذا طال الأمد، وجدوا أنفسهم في دوامة عظيمة لا يكاد أحدهم يدري أين المخرج منها، بل وكيف أو متى!؟ وهذا ما يدعو المراقب للمشهد، بعد أكثر من مائة يوم على هذه الأزمة المصطنعة المشؤومة، أن يتساءل عن الدوافع لهذه الأزمة، بل ربما قال: وهل هناك أصلًا دوافع وأسباب لم تكن تجد طريقة أخرى للتفاكر بشأنها، إلا بصناعة أزمة عاصفة، لها بداية ولا يُعرف لها نهاية؟ الأزمة كما أسلفنا في مقالات سابقة، وصلت إلى ذروة التصعيد، والرباعي المتأزم صار يراوح مكانه، وكل اجتهاداته الحالية لا تخرج عن المجال الإعلامي بهدف الإبقاء على خطة إلهاء الداخل عندهم عن مشاكله المتعددة، وجذب أنظاره وبقوة التأثير الإعلامي، نحو عدو وهمي تمت صناعته على عجل، والمتمثل في قطر. صار الداخل عند الرباعي المتأزم يرى عدوه الجديد الآن قطر، وليست إسرائيل مثلًا كما كانت منذ عقود عديدة! أمام هذا المشهد البائس، دعونا تارة أخرى نتساءل عن الدوافع التي جعلت الرباعي المتأزم يدخل في مغامرة غير محسوبة التبعات والنتائج، ونقول: لماذا يحاصرون قطر، ونحاول تفحّص بعض النظريات المتداولة حول هذا الحصار. إن كان المغامرون الأربعة فعلوا فعلتهم اللئيمة الغادرة هذه، ضمن خطة الإلهاء المتبعة مع شعوبهم، لأجل دخول مسار التطبيع مع الدولة الإسرائيلية، لأغراض وأهداف يريدون تحقيقها من وراء ذلك التطبيع، فالأمر لم يكن يحتاج لهذا التعقيد، وقطر لم تكن لتقف حجر عثرة أمام سيرهم نحو تل أبيب. تلك قراراتهم واختياراتهم. لكن من المؤكد أن الأمر كان سيبدو صعبًا لو أن الأوضاع هادئة طبيعية في الخليج. لكن اليوم لن ينظر كثيرون إلى التطبيع أنه غير طبيعي، بل لا أستبعد أن كثيرين في دول الحصار لا يرون بأسًا، ولسان حالهم يردد: عدو عدوي صديقي، باعتبار أن الدولة الإسرائيلية ترى الآن قطر في صف حماس، وبالتالي في خانة أعداء إسرائيل، ما يعني أن إسرائيل اليوم هي أقرب إلى الرباعي من قطر! هذا احتمال لا أجده مستساغًا عندي، ولا أدري عن غيري، لكن لا أشك أنه كذلك عند كثيرين. أما إن كان افتعال الأزمة لأجل الاستيلاء على ثروات قطر وخيراتها بصورة وأخرى، بسبب ما تعانيه الدول الأربع من ضغوط اقتصادية، كالسعودية والمغامرة الكبيرة النازفة للمليارات في اليمن، والإمارات ومغامراتها التي اتسعت وتمددت في دول كثيرة، وتبديد المليارات في دعم الثورات المضادة للربيع العربي، وعسكر مصر الذي يغرق بشكل سريع في مشاكل اقتصادية طاحنة، والبحرين وتأثرها الطبيعي بما يجري للسعودية. فإن كان هذا هو السبب على سبيل الافتراض، فقد كان بالإمكان وبنفس راضية طيبة، الجلوس مع قطر لتنسيق وترتيب الأمور، وكان بالإمكان دعم خزائن الرباعي على شكل قروض طويلة الأجل، دون اللجوء والرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي، فالخير في قطر لا ينعدم بفضل الله، التي تقف مع البعيد فكيف بالقريب أو أقرب المقربين، لو سأل أحدهم أو كلهم برقي وتحضّر؟ لكن المشكل أن الرباعي اختار أسلوبًا عرفته القبائل العربية في الجاهلية، حين كانت تحتاج للمال. ولا أجد من داع لكثير شروحات وتفصيلات. واقرأوا إن شئتم عن الحياة الاجتماعية للقبائل في الجزيرة العربية قبل الإسلام. هذا الاحتمال لا أميل إليه كثيرًا، وإن كنت لا أقدر على تجاهله تمامًا. أما إن كان هدف الحصار، ومن ضمن خطط الإلهاء أيضًا، هو صرف أنظار واهتمام شعوب الرباعي عن مشاكل وأزمات الداخل، وإشغاله وإنهاكه بالخارج عبر صناعة عدو وهمي تمثل في قطر، فإن هذا الاحتمال أرجح عندي وأكثر وجاهة.. لاحظ كيف أن عسكر مصر منذ انقلابهم على حاكم مدني منتخب عام 2013 وهم في أزمة إلى أخرى وتخبط وآخر، حتى أنهكت تخبطاتهم ميزانيات الداعمين الكبار لهم، السعودية والإمارات. ثم لاحظ كيف أن مشاكل السعودية بدأت تتعقد منذ أن دخلت في مغامرة اليمن حسب رغبة بن سلمان، وتأزم العلاقات في العائلة الحاكمة وبقية القصة المعروفة.. فيما الإمارات دخلت مبكرًا في نفق الأزمات الداخلية بالتصادم مع كل ما هو إسلامي، إلى أن دفعتها تلك الأزمة نحو الخارج، فأهدرت ملياراتها على صنع ثورات مضادة للربيع العربي، وملاحقة كل من يُشتم منه رائحة الإسلام السياسي، وصنعت لنفسها بذلك عداوات كانت في غنى عنها.. أما البحرين وبحكم التبعية للسعودية، فلا شك أنها تتأثر بالضرورة بكل ما يحدث للجارة الكبيرة، سياسيًا واقتصاديًا. يمكن أن نخلص ونقول بأن مغامرة الرباعي المتأزم، أوقعتهم دون شك، في حفرة عميقة قد لا يخرجون منها قريبًا وسريعًا، بل وأدخلت المنطقة في أزمة معقدة تكاد تتشابك خيوطها مع مصالح قوى أخرى كبيرة بالإقليم، بل ربما العالم كله. الأمر الذي يستدعي ولمرة أخرى وليست أخيرة، ضرورة تحكيم العقل، كما في دعوة سمو أمير قطر أمام العالم في خطابه الأخير بهيئة الأمم، وأهمية الجلوس حول طاولة الحوار، واللجوء إلى منطق المصلحة العليا للخليج في الحوار والتفاوض، من قبل أن يقرر آخرون ما يجب أن يكون عليه الوضع بالخليج، وبما يتوافق مع مصالحهم أولًا وأخيرًا ودون شك في ذلك، ومن ثم مصالحنا، هذا إن بقيت لنا مصالح! لذا نكرر من هذا المنبر مرة أخرى، وننادي: هل من رجل رشيد شجاع في الرباعي المتأزم، يقف شامخًا ويقول: ها أنا ذا؟ يعضده رجل ثان وثالث ورابع، سواء من دولته أو من إحدى الدول الثلاث، ليجلس الجميع إلى رجال قطر برعاية أمير الكويت ومباركة سلطان عمان، ويتم إنهاء الأزمة في قمة التعاون القادمة في وطن النهار، الكويت؟ فهل يمكن أن يظهر مثل هذا الرجل؟ إنه نوع من الأمل الذي لا نريد أن نفقده، فلا حياة لمن لا يعيش على أمل. ومن لا أمل عنده، لا مستقبل له.