13 سبتمبر 2025
تسجيل* يتوجع القلب كلما تصور عيون المنتظرين بلهفة عودة الذين سافروا إلى الله سفرتهم المباركة ولم يعودوا ليمر عيدهم مثقلا بالدموع والألم، يتوجع القلب وهو يستعيد عناق المودعين لأحبتهم يمطرونهم بدعائهم أن يعودوا لعيونهم سالمين غانمين، أتصور صدمة الذين ينتظرون عودة أحباب لن يعودوا، لأن العناق كان الأخير، والسلام كان الأخير، والوداع كان الأخير، ولأن النفس لا تدري بأي أرض تموت، ولأن المنية كانت هناك على الأرض الطاهرة البعيدة، وما عرفوا أن ثراها سيضمهم غرباء في مقابر قد تعز عليهم زيارتها!! هزني، وأحزنني الحدث الموجع في الحرم المكي، ومنى، وأنا أتابع أحزان وآلام المنتظرين أحبتهم الذين أصبحوا في ذمة الله ورحمته، وأن لا لقاء يرتجى، ولا فرح بالأوبه منتظرا! ولا أملك مع طعم الحزن الذي أستشعره إلا الدعاء لكل من فقد حبيباً كان يأمل ملاقاته والفرح بأوبته، أمله أن تكون المنية هناك حسن خاتمة يفرح بها صاحبها وأحبته يوم يقوم الأشهاد، "إنا لله وإنا إليه راجعون"، اللهم ارزق فاقدي أحبتهم السلوى، واربط على قلوبهم بالصبر الجميل، كما ربطت على قلب أم موسى.. آمين.* في الأعياد يتغير شكل الدنيا، ضجة، وملابس جديدة، عيديات، زيارات الولائم، سفر ومشاوير، مظاهر كثيرة نحرص عليها إذا ما أقبل العيد وقليل هو المتأمل في المعنى الرمز! وما المعنى الرمز؟ كثير، من المعاني الجميلة التي هي رمز ودرس، حكاية درس الطاعة، إذ بعد أن انفجرت غيرة السيدة "سارة" من السيدة هاجر وقد علمت بحملها خشي الخليل إبراهيم على هاجر وما في بطنها ففر بها بعيداً إلى الوادي الجديب ليتركها ووليدها هناك، ويقول إنه راحل، وتتبعه السيدة هاجر وقد تأهب للذهاب لتسأله خائفة: أتتركنا وحدنا بالوادي دونما أنيس؟ ولا تجد رداً، فتعود تسأله ولا يجيبها، هنا لم تغضب، ولم تعترض، ولم تثر، ولم تمطره بوابل أسئلة حارقة بالحنق إنما عادت تسأله أهو أمر الله؟ هنا يجيب الخليل نعم، ليمضي تاركها بالوادي المقفر وهي تتمتم (إذن لن يضيعنا) منتهى الطاعة، والاستسلام لأمر الله، وتعود لطفلها تهدهده وترضعه إلى أن جف ضرعها، وخلت قربتها من قطرة ماء! ثم تدخل (هاجر) في ابتلاء نفاد الماء لتعلمنا درساً بديعاً في الصبر، إذ كان عليها الذود عن حياة رضيع يتلوى عطشاً ويقترب من هلاك محقق، لم تيأس، اندفعت تجري صاعدة هابطة فوق رمال حارقة، مرة تعتلي الصفا ثم تنزل إلى المروة ثم تكرر، وتعيد، وتركض من جديد حتى هدها التعب والإجهاد إلى أن اشرفت بعد إعياء شديد على (المروة) حيث كان جبريل هناك يهزم بأمر ربه وبجناحه الأرض ليتفجر نبع الماء المقدس، لتفطر الصائمة الصابرة منه، وتحيط الماء بكفيها خائفة أن يتبدد فتكلمه وهو يزداد ويفيض زم.. زم.. زم.. زم، ولتكون بعد ذلك (زمزم) لحجيج بيت الله وكل معتمر على مر الزمان، المشبعة، الراوية، الشافية، الكافية، لتكون زمزم لما شُرب له!! هذا عن صبر هاجر ثم يأتي درس البر الجميل من الابن لأبيه، إذ قال إبراهيم عليه السلام لولده (إني أرى في المنام اني أذبحك) لم يعترض الابن ولم يجفل، ولم يقاوم، ولم تتملكه ثورة، لا يحسن فيها الكلام مع والده استهوالا لما سيفعل به، وإنما هو رد واحد (يا أبتي افعل ما تؤمر) ثم تمنى لنفسه الصبر على الابتلاء، حتى كان الفداء بذبح عظيم!هذا درس آخر في بر الآباء، حيث لا تمرد، ولا شطط في القول، ولا مراجعة بل بر وطاعة، كل هذه الوقفات منذ رحيل هاجر إلى الوادي الأجدب وحيدة، وانقطاع الماء وركضها بحثا عنه، إلى الرؤيا التي حلم فيها الخليل بذبح ابنه، كلها دروس لم تكن صدفة بل هي في تصوري دروس للأمة، وللنشء كي يستعيد في العيد ما كان ويتأمل، ويتعلم، ولعل من ينظر بإمعان إلى حال الأمة وما صارت إليه أحوال البيوت، والأسر، والشباب ليشعر بغصة مريرة، إذ الطاعة معدومة، والتمرد أعلى صوتا من السكينة، والعقوق حدث ولا حرج!!مطلوب جدا جدا أن ينتبه المعنيون من اعلام، وأسر، وولاة أمر، ومعلمين، إلى دروس عيد الأضحى، التي نغفل عنها، ولا أنسى درس بناء الكعبة، أو درس التعاون الجميل بين الشياب والشباب، بين الفتوة والكهولة، بين الضعف والقوة، فهذا إبراهيم الخليل بناء الكعبة كما أمره الله وهذا إسماعيل يساعد، يحمل، ويناول حتى اكتمال بناء بيت الله الذي يعقد فيه مؤتمر التوحيد السنوي بحجاج يأتون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، اللهم أعد حجاج بيتك وقد شملتهم بعفوك، ورحمتك، وغفرانك، وعلمنا ما ينفعنا، واصلح دنيا المسلمين ودينهم إنك على ذلك قدير.* * * طبقات فوق الهمس* صدفة نلتقي، نتعارف، نقترب، نتواد، يصادق بعضنا بعضا، وربما تحول صديق الصدفة إلى أعز من أخ ولدته لك أمك، وقد تعيش عمرا مديداً وأنت مقيم على رباط الود الجميل، وفياً لكل حقوق الصداقة الأمينة، في هذه المشاعر الجميلة يقول ابن تيمية (كلك لأخيك إلا ما حرمه الله ورسوله، ولن تؤدي حق الصحبة حتى تقول لأخيك يا أنا)!أتأمل العبارة الجميلة واسأل كم واحدا حفظ ود صديقه وأخيه في هذا الكون وقال له يا أنا؟؟