16 سبتمبر 2025
تسجيلتشكل دورة افتتاح أعمال الهيئة العامة للأمم المتحدة كل عام مناسبة مهمة لجس نبض المزاج العالمي من خلال خطب الزعماء من أعلى منبر دولي كما من خلال اللقاءات المعدة مسبقا أو تلك التي تحدث بصورة "عرضية" على مائدة عشاء أو خلال حفل استقبال. ولقد كانت الدورة الحالية للجمعية من أكثر الدورات التي شهدت متغيرات يمكن البناء عليها في المسقتبل وفي مقدمها الرسائل المتبادلة في المواقف بين ايران والولايات المتحدة بعد انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيسا لإيران. وتعليقات معظم المراقبين تعكس امكانية لبدء صفحة جديدة قد لا تكون سريعة في العلاقات بين واشنطن وطهران. من هذه الوقائع التي شهدتها نيويورك العلاقات التركية الإيرانية وما اتصل بها من لقاءات ثنائية بين مسؤولي البلدين من لقاء الرئيس التركي عبدالله غول مع نظيره الإيراني وبين وزيري خارجية البلدين احمد داود اوغلو ومحمد جواد ظريف. ولعل أهم ما في هذه اللقاءات أنها كسرت الجليد الذي كان بدأ يتصلب جدا بسبب الموقف من الوضع في سوريا. ولعل التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي كانت أوضح رسالة انفتاح على ايران والأمل بطي مرحلة وبدء أخرى. بطبيعة الحال أن مثل هذا الأمل ليس خلف الباب ودونه تعقيدات وعقبات وسدود كبيرة تراكمت خلال السنتين الماضيتين لكن المؤشرات والإشارات تشير الى أن هناك مرحلة جديدة تنتظر الجميع. جزم غول بأن انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيسا لإيران يعني بدء مرحلة جديدة من تاريخ ايران. وقال إن إيران دولة متجذرة وديبلوماسيتها متجذرة جدا أيضا. وقال إنه "إذا نظرت إليها على أنها عمامة وجبّة ولحية فإنك تقع احيانا في الخطأ. وإيران فيها ديبلوماسيون ذوو مهارة عالية جدا". وقال إنه "قطعا هناك مرحلة جديدة في إيران ليس فقط ربطا بماضي روحاني وتصريحاته بل أيضا بالتعيينات التي أجراها. وأبرز مثال على ذلك تعيين محمد جواد ظريف وزيرا للخارجية. أنا أرى ذلك بشكل جازم. أمامنا أشخاص منفتحون يجيدون الحوار". وقال "لا اظن ان هناك انحرافا عن المبادئ الأساسية للجمهورية الاسلامية ولكن أعتقد انها ستكون أكثر تصالحا وانفتاحا على الحوار في سياساتها كما ستكون أكثر حرية في الداخل. فقط قبل يومين أطلق سراح بعض المعتقلين السياسيين.إنه تطور جيد. إيران بلد براغماتي". وفي تصريحات لوزير الخارجية داود أوغلو قال إن ايران بلد يشهد تغييرا وأنه يجب ألا ننتظر ذلك بسرعة لأن ايران بلد متجذر التقاليد ، والاستمرارية والتغيير يسيران معا. كما وجه داود أوغلو دعوة إلى نظيره الإيراني لزيارة أنقرة. ولم تتوقف الإشارات على بدء مرحلة جديدة من العلاقات بين انقرة وطهران على المناخ الذي يحيط بمواقف الطرفين في الأمم المتحدة بل إن زيارة رئيس البرلمان التركي جميل تشيتشيك الى طهران يجب التوقف عندها وهي استمرت لعدة أيام والتقى فيها تشيتشيك معظم المسؤولين الإيرانيين. وهي زيارة إلى كونها رسمية ومن موقع عال رغم عدم أهمية موقع رئاسة البرلمان في تركيا غير ان تشيتشيك يمثل أحد المدافع الثقيلة في حزب العدالة والتنمية وله دور مهم في اتخاذ القرار. ولا بد أن الزيارة تحمل الكثير مما لم يعلن عنه. وفي هذا الصدد اختفت تقريبا المواقف الانتقادية من كل من الطرفين للطرف الآخر في الآونة الأخيرة. وربما من العوامل الرئيسية التي ساهمت في ذلك هو شعور الأتراك أن الوضع في سوريا بعد اتفاق السلاح الكيميائي ذاهب إلى محادثات في جنيف 2 وأنه لا بد من مواكبة هذا المناخ واللعب من داخله كي لا تبقى تركيا خارج اللعبة. كما أن المواقف المتقاربة مع فارق اللهجة بين طهران المرنة وانقرة الحادة بالنسبة لانتقاد التغييرات في مصر ضد الإخوان المسلمين أشعر الطرفين أن هناك أيضا ما يجمعهما. كما أن ارتفاع صوت المجموعات الأصولية المتشددة في سوريا والتي أثارت بعض القلق في تركيا خفّف من حدة التباينات بين طهران الجديدة وانقرة المتوجسة. تبقى إيران وتركيا حجرين رئيسيين في اللعبة الإقليمية. وفي لعبة الرأسين الكبيرين، روسيا والولايات المتحدة، لن يكون سيئا أن تتقارب الرؤوس الأقل حجما لإحداث توازن في خريطة سورية واقليمية ودولية ربما بدأت ترتسم لنهايات أحد أكثر الصراعات اتساعا وشمولا ودموية وحدّة وخطورة.