15 سبتمبر 2025

تسجيل

أردوغان: بداية العد العكسي؟

28 سبتمبر 2012

ينعقد غدا الأحد المؤتمر الرابع الكبير لحزب العدالة والتنمية. وهو مؤتمر استثنائي وحساس بكل معنى الكلمة. فالحزب الذي أحدث انقلابات جذرية في مسيرة تركيا داخليا وخارجيا يقف الآن على مفترق. والأنظار ستتجه بالطبع إلى رجب طيب أردوغان زعيم الحزب الذي لا يمكن أن ينفصل اسمه عن الحزب والحزب عن اسمه، حال جميع الأحزاب في تركيا التي تشخصنت إلى درجة أن غياب زعيم الحزب كفيل بأن يرسل الحزب نفسه إلى غياهب الذكر والتاريخ. مؤتمر الحزب غدا محطة غير عادية في تاريخ الحزب الذي تأسس في 14 أغسطس 2001 بعد إغلاق حزب الفضيلة وانقسامه إلى حزبين: العدالة والتنمية بزعامة أردوغان والسعادة بزعامة نجم الدين أربكان من خلف الستار. مجرد أن نشير إلى افتراق الطرق بين أربكان وأردوغان كان يعني الكثير لمنطق النهج الذي كان أردوغان وحزبه الجديد ينويان السير فيه. ببساطة كان أردوغان ومعه رفيق دربه عبدالله غول يريان أن الأسلوب الذي اتبعه أربكان في مواجهة السلطة العسكرية والعلمانية كان خاطئا ولا بد بدلا من المواجهة المباشرة الالتفاف على الواقع بإصلاحات تنسجم مع شروط الاتحاد الأوروبي وعدم إغضاب الولايات المتحدة الحامية والحاضنة للجيش التركي. ونجح أردوغان في إحداث أوسع عملية إصلاح في العديد من المجالات السياسية ولا سيما الاقتصادية حيث كان إنجاز أردوغان الأكبر. وكان إنجازا غير متوقع على صعيد السياسة الخارجية حين انفتحت تركيا على دول الجوار المباشر وعلى روسيا والبلقان. غير أن أردوغان يذهب إلى مؤتمر الحزب غدا الأحد وقد تغيرت معطيات السنوات العشر الأخيرة. فسياسات الانفتاح الداخلية اصطدمت بتصعيد للنزعة القومية أدت إلى عودة الروح إلى المشكلة الكردية التي باتت تشكل الخطر الأكبر على الأمن القومي. ولم تنجح جهود تخفيف الاحتقان في العلاقة بين السنة والعلويين. كما ارتفع صوت الاحتجاج خصوصا في الصحف الغربية على سياسة اضطهاد الصحفيين والتضييق على حرية الإعلام. كما أن المؤشرات الاقتصادية منذ عدة أشهر باتت أيضا تعكس تراجع النمو وعصر الرفاهية خصوصا مع الأزمة المالية العالمية والتوتر في الشرق الأوسط. كما أن النجاح الخارجي لم يدم طويلا وانهارت سياسة العمق الإستراتيجي وصفر مشكلات لتعود تركيا إلى علاقات عداء وتوتر مع معظم جيرانها. يذهب أردوغان إلى مؤتمر الحزب وهو يحمل مخاطرة عالية جدا بالنسبة لمستقبل تركيا ومستقبل الحزب. ذلك أن مركز الثقل السياسي في تركيا هو رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة. فيما رئيس الجمهورية لا يمتلك سوى بعض الصلاحيات. زعماء تركيا هم رؤساء الحكومات وليس رؤساء الجمهوريات من عدنان مندريس إلى بولنت أجاويد وسليمان ديميريل وطورغوت أوزال ونجم الدين أربكان وصولا إلى رجب طيب أردوغان . ولا أحد يتذكر اسما لرئيس جمهورية خلا الذين كانوا رؤساء للحكومة وأصبحوا رؤساء للجمهورية. رئاسة الجمهورية تحوّلت مع الوقت إلى مكان للراحة والتقاعد السياسي.لذا كان يطمع رؤساء الحكومات إلى أن ينهوا حياتهم السياسية في رئاسة الجمهورية. هكذا فعل أوزال وديميريل وربما عبدالله غول رغم اختلاف حالة الأخير نسبيا. لم يختلف الوضع مع رجب طيب أردوغان الذي صال وجال وبنى شهرته على ما حققه من إنجازات من موقعه في رئاسة الحكومة وفي رئاسة الحزب. مع ذلك فإن "مقتل" أردوغان هو أن يصبح رئيسا للجمهورية لكن بصلاحيات الآخرين. لذلك فإن مؤتمر الحزب غدا هو الأخير الذي سيكون فيه أردوغان رئيسا للحزب ورئيسا للحكومة حتى العام 2014 موعد انتهاء ولاية الرئيس عبدالله غول. كل المؤشرات تشير إلى أن أردوغان سيكون مرشح الحزب ما لم تطرأ مفاجآت تحول دون ذلك. لكن مشكلة أردوغان الجدية أنه زعيم لا يعرف الراحة ولا التقاعد وبنى مجده على معاركه في الداخل والخارج. لذلك سيصعب عليه أن يكون في موقع ليس الأول في القرار في الدولة. وهنا يسعى أردوغان إلى أن يكون النظام السياسي في تركيا رئاسيا أو نصف رئاسي بحيث يأخذ معه الصلاحيات الأساسية أينما ذهب. وإذا لم يفلح أردوغان في ذلك فإن خطته أن يكون رئيسا للجمهورية لكن أن يكون أيضا المتحكم برئيس الحزب الجديد ورئيس الحكومة المقبل بحيث يكون هذا الأخير بمثابة زعيم للحزب والحكومة "بالوكالة أو بالأمانة" فيما القيادة الفعلية لأردوغان.وهو ما سيضعف الحزب بلا شك وينعكس سلبا على قوته وكوادره وثقة هؤلاء بأنفسهم، كما على قوة تركيا. سيظهر أردوغان غدا في مؤتمر الحزب زعيما حقق الإنجازات لتركيا لكن المخاطر التي تعرضت لها تركيا في السنتين الأخيرتين في الداخل والخارج وسعي أردوغان نفسه لاحتكار كل المواقع أينما كان، قد تجعل من مؤتمر الغد بداية العدّ العكسي لسلطة حزب العدالة والتنمية من جهة ولأردوغان كزعيم سياسي من جهة أخرى.