20 سبتمبر 2025

تسجيل

تصحيح الأجور منطقي حتى في فترة أزمة

28 سبتمبر 2011

يتخبط الاقتصاد الدولي في أزمات جدية لا تقتصر فقط على الإنتاج والاستهلاك، وإنما أيضا على السياسة والعلاقات الاجتماعية. أمريكا حائرة في كيفية معالجة مشاكلها، وها هو الرئيس أوباما يحاول إنقاذ عهده عبر نشر مشروعه لمكافحة البطالة. إذا كان الرئيس غير قادر على التقدم سياسيا في الموضوع الفلسطيني، فيسعى إلى القيام بخطوات تجذب له الأصوات في معركة قادمة يمكن أن تكون قاسية. البريطانيون من ناحية أخرى واعون جدا لعمق مشاكلهم، وها هو وزير الأعمال "فينسنت كايبل" من الحزب الليبيرالي الديموقراطي يصف الوضع الداخلي بما يشبه فترة حرب بسبب تعثر الاقتصاد. في فرنسا، يسعى الرئيس ساركوزي عبر الاقتصاد إلى الفوز في انتخابات السنة المقبلة على الأرجح ضد مرشح الحزب الاشتراكي. هدف البرنامج الفرنسي تخفيض عجز الموازنة من 5,7% في سنة 2011 الى 4,6% في سنة 2012 إلى 3% في سنة 2013 وإلى 2% في سنة 2014. جميع الدول تمر في نزاع مبدئي وعملي صعب وهو الاختيار بين التصحيح المالي والنمو، أيهما أهم؟ في فرنسا مثلا، خسارة نقطة واحدة من النمو تعني انخفاضا في الإيرادات العامة توازي 10 مليارات يورو سنويا. تسعى الدول الغربية إلى تصحيح أوضاعها في ظروف نمو سكانية غير مناسبة، بالإضافة الى عدم رغبتها في استقبال المهاجرين. لا شك أن الأوضاع المعروفة التي تمر بها اليونان لا تحسد عليها، وهي تسعى بكافة الوسائل إلى الاستمرار ضمن الحفاظ على استقلاليتها السياسية والاقتصادية. تعي كل الحكومات المسؤولة بأنه لا يمكن الاستمرار في الحكم من دون تحقيق عدالة اجتماعية إضافية. تعلم الحكومات بأن زيادة الفقر والبطالة تؤدي عاجلا أم آجلا الى اضطرابات اجتماعية تسيء الى الأنظمة الديموقراطية الانتخابية وتعطل النمو لاحقا. تشير الدراسات التطبيقية إلى علاقة قوية بين الناتج المحلي الفردي ومؤشر الديموقراطية المعتمد دوليا. ما العمل إذا؟ لا شك أن التعاون الدولي مطلوب لتجنب حرب عملات بين الفرقاء الأساسيين الأربعة أي أمريكا وأوروبا واليابان والصين. المطلوب من الحكومات فهم واقع بلادهم أكثر ومحاولة تصحيح القواعد والقوانين. يقول الممول الكبير "جورج سوروس" إنه كمستثمر عمل ضمن القانون وحاول تحقيق أعلى الأرباح ونجح. لكنه كمواطن، يقول إن عليه مساعدة المسؤولين على تطوير قواعد اللعبة حتى لو أتت ضد مصلحته الشخصية. ينتقد سوروس المسؤولين الحكوميين ومن القطاع الخاص بأنهم وبالرغم من الخسائر الكبيرة نتيجة أزمة 2008 يفضلون اعتبارها أزمة عابرة دون محاولة تغيير بعض القواعد أو الأدوات الخطرة. يعتبر سوروس حتى اليوم من المستثمرين الدوليين الكبار التي لم تجر بحقهم أي اتهامات فساد أو غش أو سوء أمانة. لبنان لم يتأثر كثيرا بالأزمة المالية الدولية لكنه متأثر جدا بما يجري خارج حدوده وخاصة في سوريا. تشير أرقام السياحة الى هذا التأثر كما أن تعديلات صندوق النقد الدولي بشأن النمو تعكس هذه الحقائق. منذ أيام خفض الصندوق توقعاته الى 1,5% نموا لهذه السنة، وربما يتبين لنا في الأسابيع القادمة بأن هذا الرقم تفاؤلي. تخفيض النمو المتوقع لا يعني غض النظر عن المشاكل الاجتماعية القائمة واهمال معالجتها بما فيها الأجور. تحسين العلاقات الاجتماعية يصبح أهم في فترة صعوبات للتضامن وحل المشاكل الوطنية المشتركة. هنالك مباحثات مباشرة وغير مباشرة تجري اليوم بين ممثلي العمال وأرباب العمل لدراسة إمكانية زيادة الأجور ومدى سلامة هذه الخطوة بالنسبة للاقتصاد. هنالك وعي عام لضرورة تصحيح الأجور نظرا لتآكلها مع الوقت بسبب التضخم ذات المصادر الخارجية والداخلية. تصحيح الأجور هو إذا حق وواجب، وليس هنالك من صاحب عمل منطقي وجدي يمكن أن يرفضه. الخلاف الحقيقي هو على النسب وحجمها وعلى الشطور وحول مدى تأثيرها عمليا على التضخم، إذ ماذا ينفع العامل أن يرفع أجره وتأتي الأسعار في اليوم التالي أو السابق للزيادة لتأكله.