14 سبتمبر 2025

تسجيل

مواقف لا يمحوها الرحيل

28 أغسطس 2023

«المصلحة الشخصية هي الصخرة التي تتحطم عليها كل المبادئ» توفيق الحكيم. في أحد ممرات مطار البحرين قبل أكثر من عشر سنوات إن لم تخنِّ الذاكرة التقيت بالصحفي اللبناني المعروف طلال سلمان، سلمت عليه ودردشنا سريعا وبالطبع هو لا يعرفني لكني سألته عن رئيس تحرير إحدى الصحف العربية حينها نظر لي وقال «هو عميل مرتزق» لم يعجبني وصفه، لكني قلت في نفسي بعد أن افترقنا لعلي كنت أمام صحفي لا يعرف أنصاف الحلول وصريح أو كنت في مواجهة صحفي نزقٍ مغرور ومصلحي!. طلال سلمان‬ ناشر تحرير صحيفة ‫السفير‬ اللبنانية، الذي ينظر لدول الخليج بأنهم «البدو الأجلاف» كما وصفهم بأحد مقالاته. وقف مناصرا للنظام السوري إبان الثورة السورية ومؤيدا لتدخلات ميليشيا «حزب الله» في سوريا ولم يتغير موقفه حتى وفاته بحجة أن «الإرهابيين» سيحكمون سوريا وهو بالطبع يقصد «الإخوان المسلمين»!. هذا بالنسبة لـ «إخوان سوريا» أما الإخوان المسلمون في مصر فلم يكونوا بأفضل حظا وحالا ومكانة لدى طلال سلمان، فقد كان «أبو أحمد» مناصرا لثورة المصريين المضادة وما وصول الإخوان المسلمين للحكم في مصر وفقا لقناعة أبو أحمد إلا «في غفلة من شعبها، فلما انتبه خرج إلى الشارع فأسقطهم فيه قبل أن يتقدم الجيش ليتولى زمام الأمور» هذا ما يؤمن به «أبو أحمد». وما سطره في مقالة له بعنوان «الحرب بين النفط والغاز» والتي وصف فيها بعض حكام الخليج بالمنتفخين بالنفط والغاز، ولا أعلم حقيقة ولعله أمر محير، ماذا يفترض بدول الخليج أن تعمل بنفطها وغازها، هل يتركونه تحت الأرض ولا يتنعمون به حتى لا ينعتهم سلمان أو يوصمون بـ «المنتفخين» أم عليهم أن يخرجوا غازهم ونفطهم ثم يرسلوه للدول العربية أو الاسلامية حتى يقتنع سلمان بأنهم ليسوا منتفخين؟! وبالطبع هذا الأمر لا يشكل هماً أو قيمة ولا يعيره الخليجيون اهتماما لأن الأهم من سخريته هو تسخيره لقلمه حتى آخر نقطة من حبره، في البحث عن مبررات لأفعال نظام الأسد تجاه شعبه، هتافات السوريين التي تطالب بالحرية والكرامة وارتفاع اصواتهم كي يسمع العالم ما يجري لهم من قسوة النظام وحلفائه في تعامله مع مطالبهم، صم سلمان آذانه عنها فلم يكن يسمعها ولا يريد أن يلتفت لها، فتلك الهتافات والمطالبات لا يجب أن تُرفع في وجه نظام «مقاوم»، بل هي في نظر «أبو أحمد» مؤامرة القصد منها اسقاط نظام «مقاوم» يتوجب التمسك به حتى لا تأتي السلفية بديلا عنه!. العمل على اسكات صوت المحتجين والمطالبين بالحرية في ميادين سوريا وإن أدى لخنق تلك الأصوات وقطع حناجرها هو واجب على الأمة بغية حماية النظام «المقاوم» في دمشق، بينما وعلى النقيض من ذلك، فإن هناك واجبا آخر على الأمة العربية يدعو له ويؤيده الأستاذ طلال (دون أن تفهم) وهو مساندة حناجر المصريين، حتى ترتفع وتصدح أصواتهم في ميادين مصر المختلفة وبين أحيائها وأزقتها، بغية الثورة على الحاكم المدني الوحيد في تاريخ البلاد في مصر محمد مرسي لأن الديمقراطية التي جاءت به رئيسا و بـ»الإخوان المسلمين» انما هي رجس من عمل «الشيطان»! يا لها من مفارقة محزنة أو قد تكون مخزية!. المثير أو الغريب أن طلال سلمان الذي عاش جُل عمره في بلد يعشق الحرية ويعطي مساحة كبيرة للكلمة والصحافة والحرية، وكان صحفيا عتيقا، أسس صحيفته «السفير» بالمال والتمويل الليبي والتي رفعت شعار «صوت الذين لا صوت لهم» أو هكذا يفترض، يعتبر وسيلة إعلامية هي «الجزيرة» قناة صهيونية تدافع عن اسرائيل وتهلل لديمقراطيتها وأن «الجزيرة» في نظره هي «قائدة حروب» وسبب مشكلات العالم، بل ويهاجم في كثير من مقالاته «الجزيرة» ويلمح إلى تأييده إغلاقها وخنق صوتها إلى الأبد. من يدري فقد يكون صوت السفير اللبنانية الممولة من الرفيق القائد معمر القذافي رحمه الله قبل أن يتم اغلاقها، كافيا ولا داعي لصوت آخر ووسيلة إعلامية أخرى في نظر الأستاذ طلال، ما جرى ويجري في سوريا ولا يزال بالنسبة لكل منصف، هو القضية الكاشفة للحق والباطل والفاصلة بين المبدأ ونقيضه وحاملي القيم ومُلقيها وصحوة الضمير وموته والصامدين والمتزلفين، فثورة سوريا أسقطت كل الأقنعة وعرت المواقف ومعها سقط من يمكن اعتبارهم كبارا في نظر الأمة من سياسيين وشعراء وأدباء وصحفيين وووو!! صحيح لدى طلال سلمان موقف نبيل تجاه القضية الفلسطينية غير أن من يقف مع قضية فلسطين العادلة لا يخذله أبدا ضميره في نصرة الإنسان وعدالة قضاياه في سوريا ومصر وليبيا والسودان وتونس واوكرانيا وبأي بقعة في هذا الكون، يقول الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات «من يقف بجانب قضية عادلة لا يمكن أن يطلق عليه إرهابي». رحم الله الأديب المصري توفيق الحكيم القائل «الحاكم لا يريد من المفكر تفكيره الحر بل تفكيره الموالي». رحل طلال سلمان الرجل الذي دافع عن أنظمة قهرت وقتلت وشتت وأهانت شعوبها، ولا نقول إلا أنه سيواجه رباً عادلاً، رحمه الله.