16 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ثلاث سنوات مرت على الجريمة الأكثر بشاعة ودموية التي شهدها لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية. أكثر من خمسين قتيلًا وقرابة 500 جريح سقطوا في بيتيْن من بيوت الله أثناء أدائهم صلاة الجمعة في مسجديْ التقوى والسلام بمدينة طرابلس (شمال لبنان). الجريمة حصلت في ذروة الاحتقان الطائفي والتوتر المذهبي بين اللبنانيين، خاصة بين أبناء طرابلس (السنّة) الذين يناصرون الثورة السورية وفصائل المعارضة، وبين أبناء منطقة جبل محسن المجاورة (العلويين) الذين يؤيّدون النظام السوري وجرائمه في قمع الثورة وسحق أبنائها. ولولا وعي الطرابلسيين وحكمة القوى السياسية في المدينة لكان يمكن لجريمة تفجير مسجديْ التقوى والسلام أن تشكل شرارة فتنة طائفية لا أحد يدرك منتهاها. الذكرى السنوية الثالثة على ارتكاب الجريمة ذكّرت اللبنانيين بمتابعة الإجراءات القضائية المتعلقة بها، خاصة أن المخططين والمنفذين والجهات الداعمة والراعية للقتلة تمّ كشفهم بعد وقت قصير من حصول الجريمة. لكن من الواضح أن الدولة اللبنانية تسعى للمماطلة في تحقيقاتها وإجراءاتها، ولا ترغب في معاقبة القتلة. فرغم مرور ثلاث سنوات، لم تصدر النيابة العامة مطالعتها للقضية، ولم تبذل الأجهزة الأمنية أي جهد يُذكر لملاحقة الفاعلين واعتقالهم. وهو أداء كان متوقعًا نظرًا لتورط شخصيات وأفراد مؤيدة للنظام السوري وحزب الله في الجريمة، وفرار عدد منهم إلى الأراضي السورية والاختباء في كنف النظام. فالسلطة اللبنانية لا ترغب في المساس بشخصيات مقربة من النظام السوري أو حزب الله، خشية ردات الفعل على أمر مماثل. ووصل تخاذل السلطة لدرجة امتناعها عن مطالبة النظام السوري بتسليم المتهمين الهاربين إليه، علمًا بأن السفير السوري في بيروت لا يترك مناسبة إلا ويستغلها لارتشاف القهوة مع المسؤولين. في كل يوم تبشر الأجهزة الأمنية اللبنانيين بنجاحها في القبض على متهمين متورطين بتفجيرات شهدها لبنان في السنوات الماضية، اللهم إلا تفجير مسجديْ التقوى والسلام، فقد عجزت الأجهزة عن تقديم أي إنجاز يُذكر، رغم خطورة التفجير وسرعة انكشاف خيوطه الأولى، وهو ما يدعو للاستغراب والشك!! منذ اللحظة الأولى لوقوع التفجيرين قادت المؤشرات إلى أن الفاعلين أتوا من منطقة جبل محسن (العلوية). رغم ذلك، لم يبادر أبناء طرابلس بأي ردة فعل تجاه المنطقة، فالتزموا بضبط النفس ولم يقطعوا طرقًا، ولم ينصبوا حواجز، ولم يحملوا السلاح، ولم يلجأوا للأمن الذاتي كما حصل في الكثير من المناطق الأخرى، وسلّموا أمرهم للدولة وأجهزتها الأمنية. السلطة من جهتها، وعِوضا عن أن تبادر بلملمة جراح المكلومين من أبناء طرابلس، ومحاولة تعويض تقصيرها وعجزها عن ملاحقة المجرمين، فإنها تحكم قبضتها الأمنية على أبناء المدينة، فتقوم بملاحقة واعتقال شبابها بناء على شبهات مصدرها مدمني مخدرات وشبّيحة، وتلاحق فقراء المدينة وتعتقلهم لأتفه الأسباب، وتنشر حواجزها في شوارع وأزقة المدينة، وتوزّع عسسها في كل زاوية وحارة لتنقض على كل من يخالف القانون، بينما بقية المناطق تنعم بغض نظر الدولة وتماهيها مع الوضع "الأعوج" الذي تعيشه. كلمة حق يجب أن تقال: من الظلم تحميل السلطة وأجهزتها الأمنية وزر الظلم الذي تمارسه بحق السنّة من أبناء طرابلس والشمال. فليس سرًا الإقرار بأن السلطة في لبنان هي مزرعة زعامات طائفية، كل زعيم معني بالحرص على أبناء طائفته، ولكل منطقة مرجعيتها السياسية الطائفية التي تقوم بتحصيل حقوقها والدفاع عن أبنائها، وتغطي مخالفاتهم وتمنع ملاحقتهم. فإذا كانت زعامات السنّة "مش سائلة" عن رعيتها، ولا تسعى لحمايتهم، ورفع الظلم والغبن عنهم، ومنشغلة عنهم بمصالحها الخاصة، فمن الطبيعي أن يتم الانفراد بهم وتطبيق القانون عليهم دون بقية اللبنانيين.