07 أكتوبر 2025

تسجيل

كيف تتغير مصادر النمو؟

28 أغسطس 2013

هنالك مصادر نمو تختلف بين دولة وأخرى تبعا للثقافة والتاريخ والاختصاص.  عانت اليونان كثيرا من الأزمة المالية العالمية وكادت تسقط لولا تدخل الأوروبيين وخاصة ألمانيا كما المجتمع الدولي عبر صندوق النقد للإنقاذ.  اقترضت اليونان وتقشفت وقامت بالكثير من الإصلاحات، منها بعض التخفيضات الضرائبية على الاستهلاك.  تتحسن اليوم الأوضاع الاقتصادية بفضل السياحة حيث زار اليونان خلال ال 12 أشهر الأخيرة حوالي 18 مليون شخص.  الفنادق والمطاعم والمعالم الأثرية والثقافية اليونانية تمتلئ بالسياح من أوروبا وخارجها، وها هي اليونان تعبر جسر الخلاص بهدوء بعد أشهر طويلة من العذاب.  أحسن الأوروبيون في إنقاذ نقدهم المشترك وإبقاء وحدتهم النقدية حية بعد سنوات من التحديات الخطيرة. مصادر النمو العالمية تختلف من ظرف لآخر.  في القرن الماضي، كان الغرب هو مصدر النمو وبالتالي تطور الاقتصاد العالمي بفضله.  حصلت أزمات كبرى في الاقتصادات الغربية بدأ من كارثة 1929 إلى الركود الكبير في سنة 2008.  ضعفت الاقتصادات الغربية وقويت الناشئة التي وقع عليها ثقل قيادة النمو العالمي.  تغير الثقل الاقتصادي العالمي من الغرب إلى الشرق، وهذا جيد حتى للغرب نفسه إذ ساهم الاقتصاد الناشئ في إنقاذ الدول الصناعية من ركودها الكبير ومشاكلها الاقتصادية.  أصبحت الاقتصادات الناشئة محرك النمو الدولي ليست فقط بفضل سياساتها الداخلية، وإنما بفضل تعلمها واستفادتها من الأخطاء التي ارتكبتها الدول الصناعية على مدى عقود من الزمن, في كتاب جديد للاقتصاديين "هيوبارد" و"كاين" عن الإمبراطوريات الاقتصادية وزوالها، يقولان فيه إن سبب انهيار القوى العظمى ليس الجغرافيا والثقافة والتاريخ والأديان وإنما السياسات الخاطئة التي اعتمدتها.  كان بإمكان الدول الاقتصادية العظمى تجنب السقوط والانحدار لو طبقت سياسات أخرى في ظروف مختلفة.  لم تسقط روما بسبب الحروب، بل بفضل السياسات الاقتصادية الخاطئة التي اعتمدتها وفي مقدمها التأميم والفساد والإدارة البيروقراطية الجامدة.  تخفيض الإنفاق العسكري لا ينتج بالضرورة نموا قويا، تماما كما حصل في أمريكا حيث انخفض هذا الإنفاق من 10% من الناتج في الخمسينيات إلى حوالي 4% اليوم.  سقطت الإمبراطورية الإسبانية بسبب مصادرتها للأرض وعدم احترامها لحقوق الملكية كما بسبب سياساتها التحفيزية أو التوجيهية في الاستثمارات وأسواق العمل.  يمكن في رأي الكاتبين تطبيق نفس المنطق على الإمبراطوريات العثمانية والصينية واليابانية والبريطانية، وحتى الأمريكية التي تضعف تدريجيا. الدول الناشئة الأساسية التي اعتمد عليها الاقتصاد العالمي في العقود الأخيرة كمصادر للنمو هي الصين والهند والبرازيل وروسيا أو مجموعة ال"بريك".  تضاعف مجموع ناتجها الإجمالي 4 مرات بين سنتي 2001 و 2011 أي من 3 آلاف مليار دولار إلى 12 ألف مليار دولار.  مجموع سكانها هو 3 مليارات.  يقول الاقتصادي "ماديسون" إن نفوذ الصين الاقتصادي ليس جديدا، إذ سيطرت على العالم بين القرنين العاشر والخامس عشر، كما سيطرت الهند اقتصاديا في فترات مختلفة.  ما الذي جعل مجموعة البريك تنجح؟  هنالك عاملان كبيران هما عدد السكان كما الإنتاجية.  فالدول التي ينحدر عدد سكانها كألمانيا ستعاني كثيرا، إذ مصدر الإنتاج يبقى الإنسان.  العدد مهم إذ يسهل النمو ويعزز الاستهلاك.  لا يمكن لدول ينخفض عدد سكانها وتتغير الهيكلية السكانية فيها أن تبقى قوية.  كما أن الإنتاجية مهمة جدا وترتبط بعوامل عدة منها التكنولوجيا المتوافرة كما البنية التحتية والاستقرار الاجتماعي التعليمي والصحي والغذائي.  تتمتع مجموعة البريك بالعاملين أي العدد السكاني الكافي كما التكنولوجيا المتطورة المستوردة والمنتجة محليا بفضل جامعاتها ومؤسسات البحوث والتطوير. استفادت مجموعة البريك من عقود من التجارب الغربية في السياسات الاقتصادية.  تعلمت أن التضخم هو شر ويجب مكافحته وتحاول جاهدة القضاء عليه.  تعلمت ضرورة ضبط الإنفاق العام، وبالتالي معالجة الخلل المالي إن حصل.  تضررت البرازيل كثيرا من التضخم منذ السبعينيات وعانت منه ونجحت في القضاء عليه، إلا أن الخطر ما زال موجودا.  يحصل التضخم اليوم في الصين بسبب تدفق الاستثمارات إليها في العقود الماضية، وها هي تدفع اليوم ثمن نموها القوي على مدى 3 عقود من الزمن.  بسبب التضخم الصيني، تنتقل الاستثمارات منها إلى إفريقيا وفي مقدمها إثيوبيا التي تحتوي على عمالة جيدة وأقل تكلفة بكثير من الصينية.  العالم يتغير مجددا بين مجموعات الدول الناشئة أن من البريك إلى قوى أخرى إفريقية وآسيوية وغيرها.  ليست هنالك ثوابت في الاقتصاد الدولي الحالي. حصلت تغيرات سياسية وإدارية كبرى في كل من الصين وروسيا في العقود الثلاثة الماضية.  بينما انتقلت روسيا كليا إلى النظام الرأسمالي الغربي، تبقى الصين شيوعية في السياسة ورأسمالية في الاقتصاد.  يتحول الشعب الصيني تدريجيا من مدخر بامتياز إلى مستهلك.  لماذا ينجح بعض الدول في تطوير الإنتاجية بينما يفشل البعض الآخر؟ أولا:  الاستقرار الاقتصادي التي نجحت الصين فيه وفشلت البرازيل فيه على مدى عقود.  الإنتاجية الصينية أعلى وأقوى.  تحتاج البرازيل إلى إصلاحات جذرية في النظام الضرائبي والبنية التحتية، وهنالك فرصة كبيرة في تحقيق ذلك مع المنافسات الرياضية الدولية الآتية. ثانيا:  مؤسسات سياسية قوية ومستقرة والتي تنعم بها الصين منذ سنة 1948 والهند منذ قيادة نهرو وافتقدت إليها البرازيل وروسيا.  هنالك نوع من الاستقرار البرازيلي بدأ مع الرئيس السابق "لولا" ويستمر اليوم مع الرئيسة "روسيف"، إلا أن العودة إلى الفوضى تبقى ممكنة في المجتمع البرازيلي الحيوي.  ثالثا:  الانفتاح التجاري والاستثماري.  دول سبقت أخرى في الانفتاح واستفادت منه.        رابعا:  السرعة في اعتماد التكنولوجيا الجديدة وهذا يتطلب مرونة كبيرة في الإدارة العامة كما في قيادة المؤسسات والشركات.