13 سبتمبر 2025
تسجيلالعربة هي الآلة الصماء التي لو وضعتها في مكان ألف عام حتى تغير مكانها فلن تفعل، والحصان هو الكائن الحي الذي يجر الآلة الصماء حيث يريد الحصان لا العربة، العربة هي المسجد والمدرسة والجريدة والقناة الفضائية والجمعية الخيرية والوزارة والشركات والمصانع والمزارع والدولة، والحصان هو الإمام والمدرس والصحفي والمذيع والإداري والوزير والمدير والفلاح والرئيس، العربة لا تستغني عن الحصان، كما أن الحصان بلا عربة مثل الكاتب بلا قلم، والطبيب بلا سماعة، أو كما قال الشاعر: كساع إلى الهيجا بغير سلاح، أو كما يقول المثل الأمريكي: "فوق ماء النهر بغير مجداف"، وكثيرا ما ندخل في لعبة البيضة والدجاجة أيهما أولا، لكن المحصلة أن البيضة مهمة لإيجاد الدجاجة، ولولاها- بعد فضل الله وكرمه – لن توجد البيضة لاستمرار وجود الدجاج، وبالتالي لا بد من العربة والحصان معا، لكن الإنسان أو الحصان هو الجوهر الأول الذي أسجد الله له ملائكته جميعا، وقال سبحانه لملائكته: "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة: الآية30)؛ لأنه سبحانه يعلم كم في الإنسان من طاقات وقدرات ومهارات أودعها الله تعالى فيه، وعندما رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت، ودعا لمكة بالأمن والبركة ومضاعفة الأرزاق، وسمانا المسلمين، وأذن في الناس بالحج، وهذه كلها عربات لا تغني عن هذه الدعوة الكريمة: "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (البقرة:129)، فالإنسان العظيم والنبي الكريم والرسول الخاتم هو الذي على يديه يغير الله الدنيا كلها، وأزمة مصر بكل قدراتها هيأ الله لها الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ولولا ذلك لمات الملايين جوعا في السبع الشداد، وقصة الحضارات كلها تبدأ بالإنسان لا العربة، حتى قال الإمام الشهيد حسن البنا: إن الإخوان المسلمين في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق، فإن بوسع رجل واحد أن يصلح أمة لو صحت رجولته، كما أن بوسع رجل واحد أن يفسد أمة لو فسدت رجولته..... وإن تاريخ الأمم والشعوب هو تاريخ من نبغ فيها من الرجال، وإن خصوبة الأمم تقاس بمدى قدرتها على صناعة الرجال ذوي النفوس والإرادات... وقال البنا: إذا وُجد المؤمن الصحيح وجدت معه أسباب النجاح جميعا، لذا لابد من أن يكون الاهتمام الأول في مشاريع النهضة والإصلاح في أي مكان بالإنسان قبل البنيان والحصان قبل العربة، وفي كل دولة لو درست تاريخها عندما تنتقل من التخلف إلى النهضة، ومن الاستبداد إلى الحرية، ومن التحلل إلى الالتزام، ومن الاستهلاك إلى الإنتاج، ومن الاستئثار إلى الإيثار، ومن الضعف إلى القوة، ومن التفكك إلى الترابط، ومن الكسل إلى العمل، ومن اليأس إلى الأمل، ومن الفشل إلى النجاح أو العكس، كل هذا مرهون بالإنسان أو الحصان قبل كل شيء، فهذه ماليزيا تنهض من كبوة التخلف الحضاري بفضل الله تعالى ثم بالرؤية الثاقبة والإرادة النافذة والتخطيط الجيد من محمد مهاتير، وهذه التحولات الكبرى في تركيا بفضل الله ثم أربيكان وأردوغان، وهذه الصين تتحرك نحو العالمية على يد ماو تسي تونج، وهذا تاريخ أمريكا المعاصر يرتبط بأسماء رؤساء محدودين من الزعماء الكبار مثل جون كنيدي، وجورج واشنطن وإبراهام لنكولن، ويذكر أن رئيس أمريكا طلب من المحامي المشهور هيوستن أن يضم ولاية تاكسس الكبيرة إلى الولايات المتحدة الجديدة في وقت كانت الحروب هي الوسيلة لضم ولايات جديدة تابعة للمكسيك أو غيرها، وطلب هيوستن مالا ورجالا وعتادا، فقال الرئيس الأمريكي: تاكسس يكفيها هيوستن، وعاد الرجل للولاية باحثا عن الرجال من المحامين النوابغ ذوي القدرات القيادية، وعمل على تنمية قدراتهم وهؤلاء ترشحوا في مواقعهم وانتخبهم الناس طواعية، وعندما صارت كل المدن الرئيسة تحت زعامة رجاله، جلسوا على الكراسي المريحة واتخذوا قرارا بتبعية الولاية الغنية الكبيرة لأمريكا، وتركوا المكسيك دون طلقة واحدة ولا معركة واحدة، بل بالعقل الإنساني والتدريب الميداني على قيادة الشعوب، وسميت أكبر مدن ولاية تاكسس باسم هيوستن تقديرا له، وفي المقابل جاء قزم أمريكي يسمى بوش من الولاية نفسها ليبدأ مشوار السقوط لأمريكا من غزوه الأحمق للعراق وأفغانستان وقواعده العسكرية في كل مكان في العالم، ووجد نفسه ينفق على العراق وحدها 12 مليار دولار شهريا، وانتشرت البطالة في أمريكا، وجاءت الأزمة المالية في العالم لتكسر دولا وشعوبا كثيرة، وهُزمت قوات بوش الرهيبة على أيدي الرجال المقاومين بصدورهم وإيمانهم، وقام رجال المقاومة في حماس والجهاد والأقصى والأحرار والجبهة الشعبية بإلحاق الهزيمة بالكيان الصهيوني في الحرب الشرسة على غزة بالحصار وضرب النار والرصاص المصبوب لكن صبر رجال غزة وقادتها هنية ومشعل حيث كانت وجوههم تمتلئ بالأمل والقوة والصمود بينما كانت وجوه أولمرت وليفني وباراك ومبارك وسليمان يحكيان هزيمة معسكر الشر الرديء، والربيع العربي قاده شباب في قوة أعظم الرجال، وجاء الرجال ليحكموا ويزيحوا نظاما فاسدا، وعليه فنجاح مشاريع نهضة في كل دولة مرهون بإعادة بناء الإنسان، بدءا بالنوابغ ذوي القدرات الخاصة، وفي الوقت نفسه ذوي الاحتياجات الخاصة لأنهم ينتمون إلى عالم الإنسان، ثم الاهتمام بعموم الشعب والناس بكل توجهاتهم مسلمين وغير مسلمين، بيضا أم سودا، صعيديا أو بحيريا، نجديا أو حجازيا، وأحسب أن فخامة رئيسنا د.محمد مرسي الذي خرج من رحم الإخوان المسلمين سيكون بإذن الله رائدا عالميا في الاهتمام بالإنسان قبل البنيان، والحصان قبل العربة ليبدأ مشروع النهضة من الإنسان الحصان، ثم إصلاح العربة والبنيان. فلنتجه إلى رعاية وبناء الإنسان يلين لنا الحديد، ونأتي بالجديد الفريد، الذي يسعد كل قريب، ويغيظ كل عدو لدود، والأيام حبالى بالكثير فتفاءلوا بالخير تجدوه، ووجهوا البوصلة نحو بناء الإنسان الحصان تجري وراءه العربات بكل سلاسة.