15 سبتمبر 2025

تسجيل

"نصيب"

28 أغسطس 2012

إحدى صديقات الطفولة أحبت شخصاً واستمرت علاقةُ الحب تلك ست سنين، وحينما "كَوّن" الشاب نفسه وكان قادراً على أن يُقدم على أمر الزواج، رفضت والدته قطعاً لاختلاف المذاهب بينهما، حاولت الفتاة المستحيل وحاول الشاب المستحيل، كل بطريقته، لكن الأم أبت أن تَتَم هذه الزيجة، فبقى الاثنان متمسكين بالعلاقة رغم مَمَات الأمل، ورفض الأهل، باختصار.. شاءت الأقدار أن تُصاب والدة الشاب بسرطان الثدي، وأخذت تعاني المرض لمدة سنتين كاملتين، ومن ثم توفاها الله "رحمها الله رحمةً واسعة". بعدَ زمن من وفاتها أقدمَ الشاب على أمر الزواج وتَمت الزيجة. اليوم لديهم من الأطفال اثنان وقد سمعتُ من إحدى صديقاتي أن الثالث في طريقه إلى النور. حينَ تمت تلكَ الزيجة جميعنا قُلنا: "سبحان الله.. نصيب!". اليوم تُحدثني جارتي عن صديقة عمرها "عبير" إذ تقول وهي تسرد لي القصة: أحبت "عبير" أحد زملائها في الجامعة وأحبها، وبعد فترة سافرت إلى ألمانيا لمدة شهرين عند إحدى العائلات لتحسين مستوى اللغة الألمانية، وعند عودتها إلى الديار، كانت بصحبة فتاتين من ألمانيا رغبا أن يسكنا مع إحدى العائلات ليتعلما كذلك العربية. ما حدث أن عرّفت عبير "حبيبها وزوج المستقبل" على الفتاتين الألمانيتين، اكتشفت عبير مصادفة بعد فترة وجيزة خيانة حبيبها مع إحدى الألمانيتين لتسقط عبير مَغشي عليها، تألمت، أنهت العلاقة. تزوج حبيب "عبير" الألمانية تلك، وانتقل إلى المانيا، وأنجبت له بعد فترة ولداً جميلاً، في تلك الأثناء، وقفت عبير مجدّداً على قدميها واجتهدت فتخرجت من البكالوريس ومن ثم الماجستير، وحصلت بعدها على بعثة دراسية لدراسة الدكتوراه بفرنسا، حدث أن سمعَ حبيب "عبير" السابق، زوج الألمانية الحالي أن "عبير" بعد اثنتي عشرة سنة من انفصالهما، توجد الآن بفرنسا لدراسة الدكتوراه، حاول جاهداً بعد أن طلق الألمانية أن يعود أدراجه إلى عبير، لكنها رفضت، اجتهد كثيراً وحاول الوسائل كلها، قبلت به عبير مجدّداً بعد أن خاض جميع الاختبارات التي وضعتها لهُ بامتياز، وتزوجا. عندما سمعتُ تلك القصة، قلتُ لجارتي: " وكأنها من قصص الأفلام" ولكني سرعان ما قلت: " سبحان الله.. " النصيب.. يصيب" ". إحدى الفتيات تمّ طلب يدها من ابن الجيران، وهما يتبادلان إعجاباً كبيراً منذ زمن بعيد، والعائلتان على وفاق كبير، تمت أمور الخطبة ومراسيمها على أتم وجه، حتى جاءت ليلة الزواج، وحدث اختلاف نجهلهُ جميعاً، هدم الزواج والحفل والارتباط!. أحيانا نظن أن الأمور معقّدة ولن تتمّ إلا بضربة عصا سحرية، ولكنها تتم، لأن الله قدّر أن يَتم الأمر، وأحيانا نظن أن الأمور مُنسابة ومُتَيسرة ولكنها لا تكتمل وإن حاولت جميع الأُمم المستحيل. إحدى الزميلات الجميلات تزوجت مرّتين، وتمنّت أن تنجب في كلّ زيجة، ولكنها لم تنل ما تتمنّى، وحين انتهى زواجها الأوّل والثاني بالانفصال، دون أطفال، كانت تقول: ليتني انجبت طفلاً على الأقل، ساق الله لها زوجاً أفضل من الأوّل والثاني بكثير، وتزوجته، وانجبت منهُ طفلةً كالقمر، رزقها الله المولود من الزوج الذي سيكون لها الزوج الأبدي!. نظن أحيانا أن الامور سيئة كما ظاهرها لكنها مبطنة بخيرٍ عظيم، لا تُدركه عقولنا في حينها، ولكن لا بد من حكمة ربانية في كلِّ أمر يحدث، ذلك لأن الرحمن لا يأخذ أشياءنا الجميلة ولكنهُ يَستبدل أشياء أجمل بها. مِن القوانين الكونية الجميلة "قانون الجذب" الذي ينصّ على أن ما تفكر فيه وتؤمن به بعمق ويقين تحصل عليه ويتحقّق، وأنا من أشد المؤمنات بذلك القانون إذ إنهُ قانون رباني قبل أي شيء فاللهُ سبحانهُ يقول في الحديث القدسي: " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء". الأمر الأعظم أن تفوّض أمرك كله لله عزّ وجلّ وتؤمن الإيمان التام أنهُ إن لم تحصل على ما تريد فاعلم إن "حكمة الله تُخفى بعض أحيانِ" وإنكَ في المستقبل القريب ستقول الحمد لله أن حدثَ كذا وكذا. أعرفُ أحدى زميلات الدراسة الجامعية، يتيمة الأم والأب، يحبها أحد الشباب الصالحين وتحبه حباً جماً، والدتهُ معارضة لهذا الزواج، والسبب أن الفتاة تكبر الشاب بسنتين. حاول الشاب المستحيل حتى بكى بين يدي والدته ليخبرها أنها حبّ حياته والأم متمسكة بالقرار دون جدوى. انفصلا للتو حين بدى لهم أن الزواج مستحيل. تواصلتُ معها حين عرفتُ منها بشأن الانفصال واخبرتها: "لتعلمي أن الأيام القادمة حُبلى وستلد لكِ مولودا أجمل من ماضٍ أبكاكِ وأحرق مُقلتاكِ. فقط قولي: " توكلتُ على الله وكفى بالله وكيلاً" بعمقٍ ويقين وانتظري منهُ الفرج الجميل فإن خير العبادة انتظار الفرج وتذكري أن الأمر كما نقول بلهجتنا العامية: "نصيب"، وهكذا فعلت. لم يحدث شيء بشأن صاحبتي اليتيمة بعد ولكني كما متيقنة أن اسمي "رحاب"، متيقنة أن الله قد رسم لها مستقبلاً جميلاً، بل وجميلاً جداً. اللهم إنا توكّلنا عليك التوكّل الجميل.. فأنت نعم المولى ونعم الوكيل.