07 نوفمبر 2025
تسجيللا يمكن لنا القول الآن إن الثورة الليبية قد انتصرت حالها تماماً كحال الثورتين التونسية والمصرية، مع فارق كبير بأن الثورة الليبية تفتقر إلى القاعدة الشعبية المنظمة والتي يمكن أن نجدها في الثورتين التونسية والمصرية، لأن ثورة تونس وثورة مصر تقف وراءها أحزاب ومؤسسات تملك شعبية تتفاوت من حزب إلى آخر وتملك برامج سياسية ورؤى فكرية محددة، بينما الثورة شكل من أشكال التنظيم والتواجد الحزبي مما خلق فراغاً سياسياً وعاش الشعب الليبي مدة أربعين عاماً مما يسمى حكم الجماهير أو المجالس الشعبية أو اللجان الثورية، وهذه لا تملك أي إستراتيجية محددة تعتمد عليها في علاقتها مع الدولة أو مع الشعب مما جعلها شكلاً هلامياً لا لون له ولا طعم ولا رائحة على العكس تماماً من الوضع في مصر وتونس قبل نجاح الثورتين هناك، فالأحزاب ورغم القيود والتضييق والخنق والملاحقة والمطاردة التي مارسها النظامان التونسي والليبي إلا أن الأحزاب في هاتين الدولتين تمكنت من المحافظة على وجودها ودورها لهذا لا خوف على هاتين الثورتين من أن تأكلا أبناءهما كما هي الحال في الثورة الليبية. إن غياب الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات في ليبيا لمدة أربعين عاماً واعتماد الحكم على الفرد الواحد خلق فراغاً فكرياً في الحياة السياسية، وامتد هذا الفراغ ليشمل جميع نواحي الحياة الأخرى الاقتصادية وحتى الاجتماعية، وهذا يعني أن المجتمع الليبي لا يملك الآن رؤية سياسية إستراتيجية تمكنه من تحقيق الانتصار في ثورته بعد أن نجحت هذه الثورة في التخلص من دكتاتورية الفرد الواحد. هذا الفراغ السياسي الذي تعيشه الثورة الليبية سيكون مصدر خطر على الثورة وعلى مستقبل ليبيا ولعل مقتل القائد العسكري للثوار الليبيين اللواء عبد الفتاح يونس بشكل غامض يؤكد ذلك كما يؤكد أن هذه الثورة ستواجه عقبات ومصاعب في طريق انتصارها لأن الثوار عبارة عن "تجمعات" من "أفراد و"جماعات" لا يوجد بينها قاسم مشترك من الفكر السياسي ولا يوجد بينها حوار إستراتيجي ينطلق من أهداف ومبادئ أيديولوجية أو من برامج حزبية وهذه التجمعات التي انخرطت في صفوف هذه الثورة كان الجامع الوحيد بينها هو الخلاص من حكم الدكتاتور القذافي فقط، ولأنها كذلك سمعنا أن مقتل اللواء يونس مرتبط باعتقاد بعض الثوار بأن له علاقة مع القذافي وهذا الشك الذي اغتال اللواء يونس موجود الآن في عقول وتفكير أعذب ثوار ليبيا. إن الرابط الذي يربط الآن بين ثوار ليبيا سرعان ما سوف ينفرط وسرعان ما تبرز وتتفجر هذه التناقضات بين هؤلاء الثوار بعد التأكد من الخلاص من الدكتاتور القذافي وزمرته ومرتزقته ثم يبدأ الصراع بين هؤلاء الثوار على من سيحكم ليبيا وكيف وما هي هوية ليبيا.. وما هو الثمن الذي يجب أن يأخذ حلف الناتو.. وهل ليبيا عربية أم إفريقية.. وما هو دستور ليبيا وأين الشريعة الإسلامية من هذا الدستور، وكيف يمكن أن تلبي هذه الثورة مطالب الغرب وحلف الناتو ومن هو المستعد لتلبية هذه المطالب وهذه الشروط، وهل ستنتهج ليبيا النهج الديمقراطي وكيف. هذه الأسئلة وغيرها هي بمثابة قنابل موقوتة في طريق الثورة الليبية والإجابة عنها مرهونة بمزاج الجماعات الثورية وهي جماعات كما أشرت سابقاً لا تملك رؤية سياسية يمكن البناء عليها ما عدا القاسم القبلي والذي لا يصلح أن يكون أساساً قوياً تقوم عليه الدولة الديمقراطية الحضارية الحديثة. لهذا كله فإننا نحذر الثوار الليبيين من القادم لأنه أهم من نجاح هذه الثورة في القضاء على الدكتاتور وانتصار هذه الثورة يعتمد على رسم إستراتيجية واضحة يتفق عليها الثوار على أساس المواطنة والقومية العربية لأن ليبيا عربية في روحها وضميرها ووجدانها وإذا لم تتحقق هذه الإستراتيجية الموحدة فإن الثورة ستأكل أبناءها.